فى سورة الواقعة تجىء إشارات إلى ما فى الزرع والحصاد من دلائل على البعث الأخير (أفرأيتم ما تحرثون * أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون * لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون) [الواقعة : ٦٣ـ٦٥] إن إحياء الموات قصة تتكرر فى أرجاء الدنيا (وآية لهم الأرض الميتة أحييناها) [ يس : ٣٣]. وإخراج البشر من أجداثهم لا يزيد عن إخراج النبات من ظلمات التراب حاملا صنوفا من المعادن والمواد المذهلة (والله أنبتكم من الأرض نباتا * ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا) [نوح : ١٧، ١٨]. وفى سورة أخرى بيان أكثر (والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج * تبصرة وذكرى لكل عبد منيب) [ق: ٧ـ٨] إن التوبة هنا يقظة عقل كان غافيا فصحا، وكان ذاهلا فانتبه، وعرف ربه، وتطرد السياق،(ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد * والنخل باسقات لها طلع نضيد * رزقا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج) [ق : ٩ـ١١]. نعم الخروج للقاء الله، ومواجهة الحساب مثل هذه الزروع التى خرجت من التربة العفنة السبخة تحمل السكر والدهن والنشا وتتوزع عليها ألوان الطيف، وشتى المذاقات! ماذا يدعو إلى إنكار البعث، وفى كل حين بعث؟ وقد يتصور الفلاح أن له عملا فيما تتم، فبين الله أنه لو أراد دمر ما أنشأ، وأرسل البلى إلى الزروع، فأهلكها، أو منع عنها القطر، أو أسلمها إلى أسراب الجراد (لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون * إنا لمغرمون * بل نحن محرومون) [الواقعة ٦٥ـ ٦٧]. والتفكه من كلمات الأضداد يطلق على ما يسوء وعلى ما يسر، وهو هنا بالمعنى الأول، والغرامة والغرام بمعنى واحد! والمراد أن بعث الأجساد كاستنبات الأرض، عمل تبرز فيه قدرة بديع السموات والأرض، ويجب أن يكون مثار إيمان بالبعث والجزاء. ص _١٥٤


الصفحة التالية
Icon