إن العلم الحديث ربما نجح فى استكشاف بعض أسرار المادة وقوى االكون، فما دلالة ذلك وما جدواه؟ إنه لا يلغى حكمة الوجود ولا رسالة الأحياء على ظهر الأرض، تلك الرسالة التى لخصها القرآن الكريم فى هذه الكلمات (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور) [الملك : ٢]. بل إن ميدان الاختبار الإلهى يتسع ويعمق بقدر ما انفتح على الإنسان من إمكانات مادية وأدبية! وقد ختمت سورة الواقعة بلون من التحدى تخسأ أمامه الخلائق: هل يستطيع أحد الإفلات من الجزاء الحتم؟ هل يقدر البشر مهما سند بعضهم بعضا على أن يدفعوا الموت، وينقذوا منه قريبا أو صديقا؟ (فلولا إذا بلغت الحلقوم * وأنتم حينئذ تنظرون * ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون * فلولا إن كنتم غير مدينين * ترجعونها إن كنتم صادقين) [الواقعة : ٨٣ـ٨٧]. لن ترجع نفس إلى الدنيا بعدما استوفت الأجل المكتوب لها! بل سينقسم البشر زمرا وفصائل حسب ما قدموا لآخرتهم، ويتوزعون على الدرجات التى اكتسبوها. (فأما إن كان من المقربين * فروح وريحان وجنة نعيم) [الواقعة : ٨٨ـ٨٩] أى فراحة بعد تعب، وأزهار الريحان يحيون بها عند مقدمهم إلى الجوار الكريم فى جنات النعيم، وهذا لون عال من التكريم. (وأما إن كان من أصحاب اليمين * فسلام لك من أصحاب اليمين) [الواقعة ٩٠ـ٩١] هذه تحية الملائكة للناجين الناجحين فى معركة الحياة، تستقبلهم لتكون بشرى سارة يوم عودتهم إلى الله. (وأما إن كان من المكذبين الضالين * فنزل من حميم * وتصلية جحيم) [الواقعة : ٩٢ـ٩٤] هؤلاء هم أصحاب الشمال، وذاك مصيرهم ا لأسود.. هكذا صدق آخر السورة أولها، ولخص مجملها، فهل يعى الناس ما يستقبلون من هذه المصائر؟ سواء وعوا أم ذهلوا فلن يتغير الواقع (إن هذا لهو حق اليقين * فسبح باسم ربك العظيم) [الواقعة : ٩٥ـ٩٦]. ص _١٥٧