ولو أن المسلمين هم الذين يسكنون الأرض وحدهم، لوقع تقصيرهم على أم رأسهم، ولَلَعَقُوا المُرَّ من معاصيهم الفكرية والخلقية! لكن الأرض تعمرها أجناس وملل شتى، فإذا سكنوا وتحرك غيرهم، وإذا تقوقعوا داخل أنفسهم، على حين انطلق غيرهم، وأثاروا الأرض، وعمروها أكثر مما عمروها، فالنتيجة أن الإسلام نفسه يتخلف، وتلحقه هزائم شائنة! وذاك ما حدث! عكف المسلمون على كتب ميتة، أملاها تدين مغشوش، ولم يقرءوا سطرا من كتاب الكون المفتوح، وأصموا آذانهم عن نداءات القرآن المتكررة بدراسة آيات الله فى الكون، فوقفنا حيث وصل بنا الأسلاف الراشدون، ومضى غيرنا يطوى المراحل، فسبق سبقا بعيدا!! قد تقول: إذا كان الآخرون قد أحسنوا دراسة الكون، واستغلوا هذه الدراسة فى دعم حضارتهم، فلماذا لم يؤمنوا بالله بعد ما رأوا آياته فى كل شىء : ونجيب بأن استقراء عقائد المفكرين ـ كما أثبت العقاد ـ يدل على أن جمهورهم مؤمن. ولكنه إيمان عام بوجود الله وعظمته، أما تحول هذا الإيمان إلى صلاة وتسبيح وصيام واستغفار فلا سبيل إليه إلا بالوحى، وأتى لهم هذا الوحى؟ إن المسلمين ظلموا دينهم مرتين: مرة بسوء التطبيق، ومرة بالعجز عن التبليغ. سوء التطبيق عرض الدين نفسه للتهم حتى قيل: إنه ضد الفطرة والحرية والعقل. والعجز عن التبليغ أبقى جماهير كثيفة فى المشارق والمغارب، لا تدرى عن الإسلام شيئا يذكر. ولنترك هذا الاستطراد الموجع ولنعد إلى الدراسات الكونية المهملة، وإلى توجيهات القرآن المعطلة، إن الله أباح للبشر كافة ارتفاق الأرض والمشى فى مناكبها واستخراج كنوزها، يستوى فى ذلك المؤمنون والكافرون فما الحال إذا نشط الكافرون وكسل المؤمنون؟ ما الحال إذا كانت أيدى غيرنا لبقة فى الفلاحة والصناعة والتجارة والإدارة، وكنا نحن مكتوفى الأيدى فى تلك الميادين كلها؟ ص _٠٥٩


الصفحة التالية
Icon