ثم يستطرد مع «فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ».. فيقرر أن لو شاء اللّه لجعلهم أمة واحدة. ولكن مشيئته اقتضت - بما له من علم وحكمة - أن يدخل من يشاء في رحمته «وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ»..
ويقرر أن اللّه وحده هو الولي «وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»..
ومن ثم يعود إلى الحقيقة الأولى، حقيقة الوحي والرسالة، فيقرر أن الحكم فيما يختلف فيه البشر من شيء هو اللّه الذي أنزل هذا القرآن ليرجع إليه الناس في كل اختلاف :«وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ. ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْهِ أُنِيبُ»..
ويستطرد مع الربوبية إلى وحدانية الخالق، وتفرد ذاته. ووحدانية المتصرف في مقادير السماوات والأرض، وفي بسط الرزق وقبضه. وفي علمه بكل شي ء :«فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً، وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً، يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ، إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ»..
ثم يعود إلى الحقيقة الأولى :«شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً، وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ، وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى : أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ. كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ. اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ، وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ. وَما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ، وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ، وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ. فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ، وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ : آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ... إلخ»..
وعلى مثل هذا النسق تمضي السورة في عرض هذه الحقيقة محوطة بمثل هذا الجو، وهذه الاستطرادات المتعلقة بقضايا العقيدة الأخرى، المثبتة في الوقت ذاته للحقيقة الأولى التي تبدو كأنها موضوع السورة الرئيسي.
وهذا النسق واضح وضوحا كاملا في هذا الدرس الأول من السورة. فالقارئ يلتقي بعد كل بضع آيات بحقيقة الوحي والرسالة في جانب من جوانبها.
فأما الدرس الثاني ويؤلف بقية السورة، فيبدأ باستعراض بعض آيات اللّه في بسط الرزق وقبضه وفي تنزيل الغيث برحمته وفي خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة وفي الفلك الجواري في البحر كالأعلام.
ويستطرد من هذه الآيات إلى صفة المؤمنين التي تفردهم وتميز جماعتهم. فإلى مشهد من مشاهد القيامة يعرض صورة الظالمين لما رأوا العذاب :«يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ، وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ