وتستطرد هذه الإشارة إلى تقرير أن التفرق قد وقع، مخالفا لهذه التوصية، ولم يقع عن جهل من أتباع أولئك الرسل الكرام ولكن عن علم. وقع بغيا وظلما وحسدا :«وَما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ»..
ثم تستطرد كذلك إلى بيان حال الذين جاءوا من بعد أولئك الذين اختلفوا :«وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ»..
وعند هذا الحد يتبين أن البشرية قد آلت إلى فوضى وارتياب، ولم تعد لها قيادة راشدة تقوم على نهج ثابت قويم.. فرسالة السماء التي تقود البشرية قد آلت إلى اختلاف بين أتباعها. والذين جاءوا من بعدهم تلقوها في ريبة وفي شك لا تستقيم معهما قيادة راشدة.
ومن ثم يعلن انتداب الرسالة الأخيرة وحاملها - ﷺ - لهذه القيادة :«فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ. وَقُلْ : آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ، وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ. اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ.. إلخ».. ومن ثم تجيء صفة الجماعة المؤمنة المميزة لها طبيعية في سياق هذه السورة - في الدرس الثاني - بوصفها الجماعة التي ستقوم على قيادة هذه البشرية على ذلك النهج الثابت القويم.
وعلى ضوء هذه الحقيقة يصبح سياق السورة وموضوعها الرئيسي والموضوعات الأخرى فيه واضحة القصد والاتجاه. وتتبع هذا السياق بالتفصيل يزيد هذا الأمر وضوحا.. (١)
خلاصة ما تضمنته السورة الكريمة من الموضوعات
(١) إنزال الوحى على رسوله - ﷺ -.
(٢) اختلاف الأديان ضرورى للبشر.
(٣) أصول الشرائع واحدة لدى جميع الرسل.
(٤) اختلاف المختلفين فى الأديان بغى وعدوان منهم.
(٥) إنكار نبوة محمد - ﷺ - بعد أن قامت الأدلة على صدقه.
(٦) استعجال المشركين لمجىء الساعة وإشفاق المؤمنين منها.
(٧) من يعمل للدنيا يؤت منها وماله حظ فى الآخرة، ومن يعمل للآخرة يوفقه اللّه للخير.
(٨) ينزل اللّه الرزق بقدر بحسب ما يرى من المصلحة.
(٩) من الأدلة على وجود الخالق خلق السموات والأرض وجرى السفن فى البحار.
(١٠) متاع الآخرة خير وأبقى من متاع الدنيا.