وضرب لهم مثلا بأمم أمثالهم عصوا رسل الله إليهم فحل بهم من العقاب من شأنه أن يكون عظة لهؤلاء، تفصيلا بقوم فرعون مع موسى ومؤمني قومه، ودون التفصيل بقوم تبه، وإجمالا وتعميما بالذين من قبل هؤلاء.
وإذ كان إنكار البعث وإحالته من أكبر الأسباب التي أغرتهم على إهمال التدبر في مراد الله تعالى انتقل الكلام إلى إثباته والتعريف بما يعقبه من عقوبة المعاندين ومثوبة المؤمنين ترهيبا وترغيبا.
وأدمج فيها فضل الليلة التي أنزل فيها القرآن، أي ابتدئ إنزاله وهي ليلة القدر وأدمج في خلال ذلك ما جرت إليه المناسبات من دلائل الوحدانية وتأييد الله من آمنوا بالرسل، ومن إثبات البعث.
وختمت بالشد على قلب الرسول - ﷺ - بانتظار النصر وانتظار الكافرين القهر. (١)
مناسبتها لما قبلها
ختمت سورة « الزخرف » التي سبقت هذه السورة بقوله تعالى :« فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ».. وقد قلنا إن هذا الختام يتّسق مع السورة التي كانت تمثّل مرحلة من مراحل الدعوة الإسلامية فى مواجهة المشركين، وأن هذه المرحلة كانت أشبه بالهدنة بعد هذا الصراع الذي كان محتدما بين النبي والمشركين..
وقد بدئت سورة « الدخان »، بذكر القرآن الكريم، وأنه نزل فى ليلة مباركة، يفرق فيها كل « أَمْرٍ حَكِيمٍ » وهذا البدء، هو تحريك لمسيرة الدعوة، بعد تلك الهدنة، ومن أول المسيرة يواجه المشركون بالقرآن الكريم، وما يحمل إليهم من خير وبركة، وأنه إذا كان قد أنذرهم وتوعدهم بالعذاب، فإنما ذلك لأنه حريص على هدايتهم، ضنين بهم على النار التي أعدت للكافرين.. (٢)
مقدمة وتمهيد
١ - سورة « الدخان » من السور المكية، وعدد آياتها : تسع وخمسون آية في المصحف الكوفي، وسبع وخمسون في البصري، وست وخمسون في غيرهما. وكان نزولها بعد سورة « الزخرف ».
٢ - وقد افتتحت بالثناء على القرآن الكريم، وأنه قد أنزله - سبحانه - في ليلة مباركة، قال - تعالى - : إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ. فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ...
٣ - ثم تحدثت عن جانب من العقوبات الدنيوية التي عاقب اللّه - تعالى - بها كفار قريش، وذكرت ما تضرعوا به إلى اللّه لكي يكشف عنهم ما نزل بهم من بلاء، فلما كشفه - تعالى - عنهم عادوا إلى
(٢) - التفسير القرآني للقرآن ـ موافقا للمطبوع - (١٣ / ١٨٠)