* وتحدثت السورة عن نعم الله الجليلة على عباده ليشكروه، ويتفكروا في آلائه التي أسبغها عليهم، ويعلموا أن الله وحده هو مصدر هذه إلىعم، الظاهرة والباطنة، وإنه لا خالق ولا رازق إلا الله [ الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون.. ] الآيات.
* وتحدثت عن إكرام الله لبني إسرائيل بأنواع التكريم، ومقابلتهم ذلك الفضل والإحسان، بالجحود والعصيان، وذكرت موقف الطغاة المجرمين من دعوة الرسل الكرام، وبينت أنه لا يتساوى في عدل الله وحكمته، أن يجعل المجرمين كالمحسنين، ولا أن يجعل الأشرار كالأبرار، ثم بينت سبب ضلال المشركين، وهو إجرامهم واتخاذهم الهوى إلها ومعبودا حتى طمست بصيرتهم فلم يهتدوا إلى الحق أبدا [ ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم وإلىبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين وآتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم.. ] الآيات.
* وختمت السورة بذكر الجزاء العادل يوم الدين، حيث تنقسم الإنسانية إلى فريقين : فريق في الجنة، وفريق في السعير [ فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ذلك هو الفوز المبين وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين ] الآيات إلى نهاية السورة الكريمة ].
التسمية : سميت " سورة الجاثية " للأهوال التي يلقاها الناس يوم الحساب، حيث تجثو الخلائق من الفزع على الركب في انتظار الحساب، ويغشى الناس من الأهوال ما لا يخطر على البال [ وترى كل أمة جاثية، كل أمين تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون ] وحقا إنه ليوم رهيب، يشيب له الولدان !! (١)
مقصودها الدلالة على أن منزل هذا الكتاب - كما دل عليه في الدخان - ذو العزة لأنه لا يغلبه شيء وهو يغلب كل شيء، والحكمة لأنه لم يضع شيئاً إلا في أحكم مواضعه، فعلم أنه المختص بالكبرياء، فوضع شرعاً هو في غاية الاستقامة لا تستقل العقول بإدراكه ولا يخرج شيء منه عنه، أمر فيه ونهى، ورغب ورهب ثم بطن حتى أنه لا يعرف، ثم ظهر حتى أنه لا يجهل، فمن المكلفين من حكم عقله وجانب هواه فشهد جلاله فسمع وأطاع، ومنه من تبع هواه فضل عن نور العقل فزاغ وأضاع فاقتضت الحكمة ولا بد أن يجمع سبحانه الخلق ليوم الفصل فيظهر كل الظهور ويدبن عباده ليشهد رحمته المطيع وكبرياءه العاصي، وينشر العدل ويظهر الفضل، ويتجلى في جميع صفاته لجميع خلقه، وعلى ذلك دل اسمها الشريعه، واسمها الجاثية واضح الدلالة فيه إذا تؤمل كل من آيتهما - والله سبحانه وتعالى الهادي. (٢)

(١) - صفوة التفاسير ـ للصابونى - (٣ / ٢٠٥)
(٢) - نظم الدرر ـ موافق للمطبوع - (٧ / ١٣٢)


الصفحة التالية
Icon