ثم ختمت السورة الكريمة بأمره - ﷺ - بالصبر على أذى قومه، فقال - تعالى - : فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ. كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ، بَلاغٌ، فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ.
٧ - والمتأمل في سورة « الأحقاف » يراها، قد أقامت الأدلة على وحدانية اللّه - تعالى -، وعلى كمال قدرته. وعلى صدق الرسول - ﷺ - فيما يبلغه عن ربه، وعلى أن هذا القرآن من عند اللّه، وعلى أن يوم القيامة حق.
أقامت الأدلة على كل ذلك، بأبلغ الأساليب وأحكمها، ومن ذلك أنها ساقت ألوانا من مظاهر قدرة اللّه - تعالى - في خلقه، كما ذكرت شهادة شاهد من بنى إسرائيل على أن الإسلام هو الدين الحق، كما طوفت بالناس في أعماق التاريخ لتطلعهم على مصارع الغابرين، الذين أعرضوا عن دعوة الحق، كما عقدت عدة مقارنات بين مصير الأخيار ومصير الأشرار.. وبذلك تكون السورة قد ساقت من الأدلة ما فيه الكفاية والإقناع لأولى الألباب، على أن الرسول - ﷺ - صادق فيما يبلغه عن ربه. (١)
في السورة حكاية لمواقف وأقوال الكفار وصور من الجدل والمناظرة بينهم وبين النبي - ﷺ -، وردود تنديدية وحجج مفحمة في سياقها، وإنذار للكافرين وتطمين للمؤمنين بمصائر كل منهم يوم القيامة. واستشهاد على صحة الدعوة المحمدية وصدق القرآن بالتوراة وموسى وإسلام بعض بني إسرائيل. وتنويه بالأبناء الصالحين وتنديد بالعاقّين، وتذكير بما كان من أمر عاد ورسولهم وهلاكهم. وحكاية لاستماع جماعة من الجن للقرآن وتأثرهم به وتدليل على قدرة اللّه على بعث الموتى.
وقد روى المصحف الذي اعتمدناه أن الآيات [١٠ و١٥ و٣٥] مدنيات، وانسجامها في السياق والموضوع وما يبدو عليها من طابع العهد المكي بقوة يسوّغ التوقف في الرواية.
وفصول السورة مترابطة مما فيه الدليل على نزولها دفعة واحدة أو متتابعة. (٢)
سورة الأحقاف مكيّة، وهي خمس وثلاثون آية.
تسميتها : سميت (سورة الأحقاف) للحديث فيها عن الأحقاف : وهي مساكن عاد في اليمن الذين أهلكهم اللَّه بريح صرصر عاتية بسبب كفرهم وطغيانهم، في قوله تعالى : وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ.. [٢١].
مناسبتها لما قبلها :

(١) - التفسير الوسيط للقرآن الكريم-موافق للمطبوع - (١٣ / ١٧٣)
(٢) - التفسير الحديث لدروزة- موافق للمطبوع - (٥ / ٧)


الصفحة التالية
Icon