وهي سورة مكية على الصحيح، وعدد آياتها أربع وثلاثون آية وتشتمل كغيرها من السور المكية على إثبات التوحيد ونفى الشركاء، وإثبات النبوة وصدق محمد - ﷺ - فيما ادعاه عن ربه، ورد شبهاتهم في القرآن والنبوة، ثم تسلية النبي ببيان موقف الأولاد من آبائهم. وضرب الأمثال للمشركين بقوم هود وغيرهم، ثم بيان انقياد الجن له حتى يطمئن النبي - ﷺ -، ثم بعد ذلك أثبت المعاد والبعث، وختم السورة بالنصيحة الغالية للنبي - ﷺ - ولكل من يقوم بالدعوة إلى اللّه. (١)
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن الزبير أنها نزلت بمكة فأطلق غير واحد القول بمكيتها من غير استثناء، واستثنى بعضهم قوله تعالى : قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [الأحقاف : ١٠] الآية، فقد أخرج الطبراني بسند صحيح عن عوف بن مالك الأشجعي أنها نزلت بالمدينة في قصة إسلام عبد اللّه بن سلام، وروي ذلك عن محمد بن سيرين.
وفي الدر المنثور أخرج البخاري ومسلم والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص أنه قال : ما سمعت رسول اللّه - ﷺ - يقول لأحد يمشي على وجه الأرض : إنه من أهل الجنة إلا لعبد اللّه بن سلام وفيه نزلت وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ [الأحقاف : ١٠] وفي نزولها فيه رضي اللّه تعالى عنه أخبار كثيرة، وظاهر ذلك أنها مدنية لأن إسلامه فيها بل في الأخبار ما يدل على مدنيتها من وجه آخر، وعكرمة ينكر نزولها فيه ويقول : هي مكية كما أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عنه وكذا مسروق، فقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أنه قال في الآية : واللّه ما نزلت في عبد اللّه بن سلام ما نزلت إلا بمكة وإنما كان إسلام ابن سلام بالمدينة وإنما كانت خصومة خاصم بها محمد - ﷺ -، واستثنى بعضهم وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ [الأحقاف : ١٧] الآيتين، وزعم مروان من لعن رسول اللّه - ﷺ - أباه وهو في صلبه أنهما نزلتا في عبد الرحمن بن أبي بكر رضي اللّه تعالى عنهما فكذبته عائشة وقالت : كذب مروان مرتين واللّه ما هو به ولو شئت أن أسمي الذي أنزلت فيه لسميته ولكن رسول اللّه - ﷺ - لعن أبا مروان ومروان في صلبه فمروان فضض أي قطعة من لعنة اللّه تعالى، وفي رواية أنها قالت : إنما نزلت في فلان بن فلان وسمت رجلا آخر، واستثنى آخر وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ [الأحقاف : ١٥] الآيات الأربع كما حكاه في جمال القراء، وحكى أيضا استثناء فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ [الأحقاف : ٣٥] الآية ونقله في البحر عن ابن عباس. وقتادة، وكذا نقل فيه عنهما استثناء قُلْ أَرَأَيْتُمْ إلخ، وتمام الكلام في ذلك سيأتي إن شاء اللّه تعالى. وآيها خمس وثلاثون في الكوفي وأربع وثلاثون في غيره والاختلاف في «حم» وتسمى لمجاوزتها الثلاثين ثلاثين.

(١) - التفسير الواضح ـ موافقا للمطبوع - (٣ / ٤٣٧)


الصفحة التالية
Icon