* ثم تحدثت السورة عن قصة " هود " عليه السلام مع قومه الطاغين " عاد " الذين طغوا في البلاد، واغتروا بما كانوا عليه من القوة والجبروت، وما كان من نتيجتهم حيث أهكلهم الله بالريح العقيم، تحذيرا لكفار قريش في طغيانهم واستكبارهم على أوامر الله وتكذيبهم للرسول ( - ﷺ - ).
* وختمت السورة الكريمة بقصة النفر من الجن الذين استمعوآ إلى القرآن وآمنوا به ثم رجعوا منذرين إلى قومهم يدعونهم إلى الإيمان، تذكيرا للمعاندين من الإنس بسبق الجن لهم إلى الاسلام.
التسمية : سميت " سورة الأحقاف " لأنها مساكن عاد الذين أهلكهم الله بطغيانهم وجبروتهم، وكانت مساكنهم بالأحقاف من أرض اليمن [ واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف.. ] الآية. (١)
مقصودها إنذار الكافرين بالدلالة على صدق الوعد في قيام الساعة اللازم للعزة والحكمة الكاشف لهما أتم كشف بما وقع الصدق في الوعد به من إهلاك المكذبين بما يضاد حال بلادهم وأنه لا يمنع من شيء من ذلك مانع لأن فعل ذلك لا شريك له فهو المستحق للإفراد بالعبادة، وعلى ذلك دلت تسميتها بالأحقاف الدالة على هدوء الريح وسكون الجو بما دلت عليه قصة قوم هود عليه الصلاة والسلام من التوحيد وإنذارهم بالعذاب دنيا وأخرى ومن إهلاكهم وعدم إغناء ما عبدوه عنهم ولا يصح تسميتها بهود ولا تسمية هود بالأحقاف لما ذكر من المقصود بكل منهما (٢)
هذه السورة المكية تعالج قضية العقيدة.. قضية الإيمان بوحدانية اللّه وربوبيته المطلقة لهذا الوجود ومن فيه وما فيه. والإيمان بالوحي والرسالة وأن محمدا - ﷺ - رسول سبقته الرسل، أوحي إليه بالقرآن مصدقا لما بين يديه من الكتاب. والإيمان بالبعث وما وراءه من حساب وجزاء على ما كان في الحياة الدنيا من عمل وكسب ومن إحسان وإساءة.
هذه الأسس الأولى التي يقيم عليها الإسلام بناءه كله. ومن ثم عالجها القرآن في كل سوره المكية علاجا أساسيا، وظل يتكىء عليها كذلك في سوره المدنية كلما هم بتوجيه أو تشريع للحياة بعد قيام الجماعة المسلمة والدولة الإسلامية. ذلك أن طبيعة هذا الدين تجعل قضية الإيمان بوحدانية اللّه سبحانه، وبعثة محمد - ﷺ - والإيمان بالآخرة وما فيها من جزاء.. هي المحور الذي تدور عليه آدابه ونظمه وشرائعه كلها، وترتبط به أوثق ارتباط فتبقى حية حارة تنبعث من تأثير دائم بذلك الإيمان.
وتسلك السورة بهذه القضية إلى القلوب كل سبيل وتوقع فيها على كل وتر وتعرضها في مجالات شتى، مصحوبة بمؤثرات كونية ونفسية وتاريخية. كما أنها تجعلها قضية الوجود كله - لا قضية البشر وحدهم

(١) - صفوة التفاسير ـ للصابونى - (٣ / ٢١٣)
(٢) - نظم الدرر ـ موافق للمطبوع - (٧ / ١٦٩)


الصفحة التالية
Icon