(ب) بيان سوء عاقبة الكافرين في الدنيا والآخرة، ودعوتهم إلى الدخول في الدين الحق، وإبراز الأسباب التي حملتهم على الجحود والعناد. نرى ذلك في آيات كثيرة منها قوله - تعالى - : وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ. أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ.
(ج) كشفها عن أحوال المنافقين وأوصافهم بصورة تميزهم عن المؤمنين وتدعو كل عاقل إلى احتقارهم ونبذهم. بسبب خداعهم وكذبهم، وجبنهم واستهزائهم بتعاليم الإسلام.
ولقد توعدهم اللّه - تعالى - بأشد ألوان العذاب، فقال : أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ. (١)
في هذه السورة تنديد بالكفار وكفرهم وصدهم عن سبيل اللّه. وحض للمؤمنين على قتالهم على أن لا يكون قتل إبادة. وتشريع بحق أسراهم.
ومقايسات بين المسلمين والكفار ومصائر كل من الفريقين. وتنديد بمرضى القلوب، وصور عن مواقفهم وتآمرهم مع اليهود. وحث للمسلمين على طاعة اللّه ورسوله والجهاد والبذل في سبيله، وتنديد بمن يبخل أو يتهاون مع الأعداء. وقد روى بعض المفسرين «١» اسما آخر لها هو (سورة القتال) لما فيها من حض على قتال الكفار كما هو المتبادر.
وأسلوب السورة النظمي فريد. ويسوغ القول بوحدة نزولها أو تتابع فصولها حتى تمت. وقد روى المصحف الذي اعتمدناه أن الآية [١٣] نزلت لحدتها في طريق هجرة النبي - ﷺ - إلى المدينة. وانسجامها مع الآيات يحمل على التوقف في الرواية.
وترتيب هذه السورة في روايات ترتيب النزول التي يرويها المصحف الذي اعتمدنا عليه وغيره «٢» بعد سورة الحديد التي جاء ترتيبها في الروايات المذكورة بعد سورة النساء، ولما كان محتوى سورة الحديد يدل على أنها نزلت بعد الفتح المكي فقد أخرنا تفسيرها فصار ترتيب هذه السورة بعد سورة النساء مباشرة. وبين بعض فصول سورة النساء وفصول هذه السورة تماثل غير يسير. (٢)
سورة محمّد عليه الصلاة والسلام مدنيّة، وهي ثمان وثلاثون آية.
تسميتها : سميت سورة محمد، لبيان تنزيل القرآن فيها على محمد - ﷺ - : وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ [٢]. ولم يذكر محمد باسمه في القرآن إلا أربع مرات، في سورة آل عمران : وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ [١٤٤]

(١) - التفسير الوسيط للقرآن الكريم-موافق للمطبوع - (١٣ / ٢١٣)
(٢) - التفسير الحديث لدروزة- موافق للمطبوع - (٨ / ٢٩٨)


الصفحة التالية