وبين نسكنا فنحن بين الحزن والكآبة أنزل الله تعالى ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً﴾ فقال رسول الله: "لقد أنزلت علي آية أحب إلي من الدنيا وما فيها" وفي رواية "من أولها إلى آخرها".
أغراضها
تضمنت هذه السورة بشارة المؤمنين بحسن عاقبة صلح الحديبية وأنه نصر وفتح فنزلت به السكينة في قلوب المسلمين وأزال حزنهم من صدهم عن الاعتمار بالبيت وكان المسلمون عدة لا تغلب من قلة فرأوا أنهم عادوا كالخائبين فأعلمهم الله بأن العاقبة لهم، وأن دائرة السوء على المشركين والمنافقين. والتنويه بكرامة النبي - ﷺ - عند ربه ووعده بنصر متعاقب. والثناء على المؤمنين الذين عزروه وبايعوه، وأن الله قدم مثلهم في التوراة وفي الإنجيل. ثم ذكر بيعة الحديبية والتنويه بشأن من حضرها. وفضح الذين تخلفوا عنها من الأعراب ولمزهم بالجبن والطمع وسوء الظن بالله وبالكذب على رسول الله - ﷺ -، ومنعهم من المشاركة في غزوة خيبر، وإنبائهم بأنهم سيدعون إلى جهاد آخر فإن استجابوا غفر لهم تخلفهم عن الحديبية. ووعد النبي - ﷺ - بفتح آخر يعقبه فتح أعظم منه وبفتح مكة. وفيها ذكر بفتح من خيبر كما سيأتي في قوله تعالى ﴿فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ﴾ [الفتح: من الآية٢٠] (١)
مناسبتها لما قبلها
ختمت سورة « محمد » (عليه الصلاة والسلام) بدعوة المؤمنين إلى البذل والإنفاق فى سبيل اللّه، حاملة بين يدى هذه الدعوة، إشارة إلى أن هذه الدعوة لا تلقى قبولا من بعض ذوى النفوس التي لم يتمكن الإيمان منها، وأن هؤلاء سيخلون مكانهم لغيرهم من المؤمنين الذي صدقوا اللّه ورسوله، وهؤلاء المؤمنون هم الذين يتلقاهم اللّه سبحانه وتعالى بالقبول، ويمنحهم النصر والتأييد الذي وعد عباده المؤمنين.. وقد جاءت سورة « الفتح » تزف إلى المؤمنين هذه البشرى بالفتح والنصر الذي أعز اللّه به نبيه، وأعز به المؤمنين معه.. كما يقول سبحانه فى مطلع السورة :« هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ ».. وكما يقول سبحانه بعد ذلك :« وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً ».. ومن جهة أخرى، فإن سورة « محمد » ( - ﷺ - ) قد حملت إلى النبي الكريم هذا الأمر الكريم من ربه :« فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ »
ـ فجاءت سورة « الفتح » مفتتحة بقبول هذا الاستغفار، وشمول الرسول الكريم بهذا الغفران المطلق، الشامل لكل ما تقدم من ذنبه وما تأخر..

(١) - التحرير والتنوير لابن عاشور - (٢٦ / ١١٩)


الصفحة التالية
Icon