تحققت تلك الرؤيا الصادقة فدخلها المؤمنون معتمرين مع الأمن والطمأنينة [ لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لاتخافون ] الآيات.
* وختمت السورة الكريمة بالثناء على الرسول ( - ﷺ - ) وأصحابه الأطهار الأخيار، وبينت فضلهم، ورفعت قدرهم، وقد أكرمهم الله عز وجل بالرضى عنهم، وإدخالهم جنان الخلد والنعيم، تكريما لجهادهم وصبرهم [ محمد رسول الله ( - ﷺ - ) والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم.. ] آلاية.
التسمية : سميت سورة الفتح لأن الله تعالى بشر فيها المؤمنين بالفتح المبين [ إنا فتحنا لك فتحا مبينا.. الآيات. (١)
لما كانت تلك سورة الجهاد وكانت هذه سورة محمد بشارة للمجاهدين من أهل هذا الدين بالفوز والنصر والظفر على كل من كفر، وهذا كما سيأتي من إيلاء سورة النصر لسورة الكافرون، فأخبرت القتال عن الكافرين بإبطال الأعمال والتدمير وإهلاكهم بالتقال، وإفساد جميع الأحوال، وعن الذين آمنوا بما نزل على محمد - ﷺ - بالهداية وإصلاح البال، وختمها بالتحريض على مجاهدتهم بعد أن ضمن لمن نصره منهم النصر وتثبيت الأقدام، وهدد من أعرض باستبدال غيره به، وإن ذلك البدل لا يتولى عن العدو ولا ينكل عنه، فكان ذلك محتماً لسفول الكفر وعلو الإيمان، وذلك بعينه هو الفتح المبين، فافتتح هذه بقوله على طريق النتيجة لذلك بقوله مؤكداً إعلاماً بأنه لا بد منه وأنه مما ينبغي أن يؤكد لابتهاد النفوس الفاضلة به، وتكذيب من في قلبه مرض وهم أغلب الناس في ذلك الوقت (٢).
هذه السورة مدنية، نزلت في السنة السادسة من الهجرة، عقب صلح الحديبية وهي تتناول هذا الحادث الخطير وملابساته وتصور حال الجماعة المسلمة وما حولها في إبانه : فبين وقت نزولها ووقت نزول سورة «محمد» التي تسبقها في ترتيب المصحف، نحو من ثلاث سنوات، تمت فيها تغيرات هامة وخطيرة في أحوال الجماعة المسلمة في المدينة. تغيرات في موقفها وموقف المناوئين لها، وتغيرات أهم في حالتها النفسية وصفتها الإيمانية، واستوائها على المنهج الإيماني في إدراك ونضج عميق.
وقبل أن نتحدث عن السورة وجوها ودلالتها يحسن أن نمر بصورة للحادث الذي نزلت بصدده. لنعيش في الجو الذي كان المسلمون يعيشون فيه، وهم يتلقون هذا التنزيل الكريم :
لقد أري رسول اللّه - ﷺ - في منامه أنه يدخل الكعبة هو والمسلمون محلقين رؤوسهم ومقصرين.

(١) - صفوة التفاسير ـ للصابونى - (٣ / ٢٣٠)
(٢) - نظم الدرر ـ موافق للمطبوع - (٧ / ٢٧٧)


الصفحة التالية
Icon