وأفضوا إلى أرض سهلة عند منقطع الوادي، قال رسول اللّه - ﷺ - للناس :«قولوا نستغفر اللّه ونتوب إليه». فقالوا ذلك. فقال :«واللّه إنها للحطة التي عرضت على بني إسرائيل، فلم يقولوها» «٦» قال ابن شهاب الزهري : فأمر رسول اللّه - ﷺ - الناس فقال :«اسلكوا ذات اليمين» بين ظهري الحمض «٧» في طريق على ثنية المرار، مهبط الحديبية «٨» من أسفل مكة قال : فسلك الجيش ذلك الطريق. فلما رأت خيل قريش قترة «١» الجيش، قد خالفوا عن طريقهم، رجعوا راكضين إلى قريش. وخرج رسول اللّه - ﷺ - حتى إذا سلك في ثنية المرار بركت ناقته. فقال الناس : خلأت الناقة «٢».
فقال :«ما خلأت. وما هو لها بخلق. ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة. لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألونني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها - (و في رواية البخاري : والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات اللّه تعالى إلا أعطيتهم إياها). ثم قال للناس :«انزلوا» قيل له : يا رسول اللّه، ما بالوادي ماء ينزل عليه. فأخرج سهما من كنانته فأعطاه رجلا من أصحابه. فنزل في قليب «٣» من تلك القلب، فغرزه في جوفه، فجاش بالرواء..
فلما اطمأن رسول اللّه - ﷺ - أتاه بديل بن ورقاء الخزاعي، في رجال من خزاعة، فكلموه، وسألوه ما الذي جاء به؟ فأخبرهم أنه لم يأت يريد حربا، وإنما جاء زائرا للبيت، ومعظما لحرمته.
ثم قال لهم نحوا مما قال لبشر بن سفيان فرجعوا إلى قريش فقالوا : يا معشر قريش، إنكم تعجلون على محمد. إن محمدا لم يأت لقتال، وإنما جاء زائرا لهذا البيت. فاتهموهم وجبهوهم، وقالوا : وإن كان جاء ولا يريد قتالا. فو اللّه لا يدخلها علينا عنوة أبدا، ولا تحدث بذلك عنا العرب.
وكانت خزاعة عيبة نصح «٤» رسول اللّه - ﷺ - مسلمها ومشركها، لا يخفون عنه شيئا كان بمكة. ثم بعثوا إليه مكرز بن حفص بن الأخيف أخا بني عامر بن لؤي. فلما رآه رسول اللّه - ﷺ - مقبلا قال :«هذا رجل غادر». فلما انتهى إلى رسول اللّه - ﷺ - وكلمه، قال له رسول اللّه - ﷺ - نحوا مما قال لبديل وأصحابه فرجع إلى قريش، فأخبرهم بما قال له رسول اللّه - ﷺ - ثم بعثوا إليه الحليس بن علقمة أو ابن زبان. وكان يومئذ سيد الأحابيش «٥»، وهو أحد بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة. فلما رآه رسول اللّه - ﷺ - قال :«إن هذا من قوم يتألهون - يعني يتعبدون - فابعثوا الهدي في وجهه حتى يراه». فلما رأى الهدي يسيل عليه من عرض الوادي في قلائده، وقد أكل أوباره من طول الحبس عن محله، رجع إلى قريش، ولم يصل إلى رسول اللّه - ﷺ - إعظاما لما رأى. فقال لهم ذلك. فقالوا له : اجلس فإنما أنت أعرابي لا علم لك! قال ابن إسحاق : فحدثني عبد اللّه بن أبي بكر أن الحليس غضب عند ذلك. وقال : يا معشر قريش، واللّه ما على هذا حالفناكم، ولا على هذا عاقدناكم. أيصد عن


الصفحة التالية
Icon