قال ابن إسحاق : وحدثني بعض من لا أتهم، عن عكرمة مولى ابن عباس (عن ابن عباس) أن قريشا كانوا بعثوا أربعين رجلا منهم، أو خمسين رجلا، وأمروهم أن يطيفوا بعسكر رسول اللّه - ﷺ - ليصيبوا لهم من أصحابه أحدا. فأخذوا أخذا، فأتي بهم رسول اللّه - ﷺ - فعفا عنهم، وخلى سبيلهم. وقد كانوا رموا في عسكر رسول اللّه - ﷺ - بالحجارة والنبل.
ثم دعا عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة فيبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له. فقال : يا رسول اللّه إني أخاف قريشا على نفسي، وليس بمكة من بني عدي بن كعب أحد يمنعي. وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها. ولكني أدلك على رجل أعز بها مني. عثمان بن عفان. فدعا رسول اللّه - ﷺ - عثمان ابن عفان، فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب، وأنه إنما جاء زائرا لهذا البيت ومعظما لحرمته.
قال ابن إسحاق : فخرج عثمان إلى مكة، فلقيه أبان بن سعيد بن العاص، حين دخل مكة أو قبل أن يدخلها فحمله بين يديه، ثم أجاره حتى بلغ رسالة رسول اللّه - ﷺ - فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش، فبلغهم عن رسول اللّه - ﷺ - ما أرسله به فقالوا لعثمان حين فرغ من رسالة رسول اللّه - ﷺ - واحتبسته قريش عندها، فبلغ رسول اللّه - ﷺ - والمسلمين أن عثمان بن عفان قد قتل.
قال ابن إسحاق : فحدثني عبد اللّه بن أبي بكر، أن رسول اللّه - ﷺ - قال - حين بلغه أن عثمان قد قتل - :«لا نبرح حتى نناجز القوم». فدعا رسول اللّه - ﷺ - الناس إلى البيعة، فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة. فكان الناس يقولون : بايعهم رسول اللّه - ﷺ - على الموت. وكان جابر بن عبد اللّه يقول : إن رسول اللّه - ﷺ - لم يبايعنا على الموت، ولكن بايعنا على ألا نفر. فبايع رسول اللّه - ﷺ - الناس، ولم يتخلف عنه أحد من المسلمين حضرها إلا الجد بن قيس أخو بني سلمة. فكان جابر بن عبد اللّه يقول : واللّه لكأني أنظر إليه لاصقا بإبط ناقته قد ضبأ إليها «١»، يستتر بها من الناس. ثم أتى رسول اللّه - ﷺ - أن الذي ذكر من أمر عثمان باطل.
قال ابن هشام : وحدثني من أثق به، عمن حدثه بإسناد له، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عمر، أن رسول اللّه - ﷺ - بايع لعثمان، فضرب بأحدى يديه على الأخرى.
قال ابن إسحاق : قال الزهري : ثم بعثت قريش سهيل بن عمر وأخا بني عامر بن لؤي إلى رسول اللّه - ﷺ - وقالوا له : إيت محمدا فصالحه، ولا يكن في صلحه إلا أن يرجع عنا عامه هذا، فو اللّه لا تحدث العرب عنا أنه دخلها علينا عنوة أبدا. فأتاه سهيل بن عمرو، فلما رآه رسول اللّه - ﷺ - مقبلا قال :- «قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل». فلما انتهى سهيل بن عمرو إلى رسول اللّه - ﷺ - تكلم فأطال الكلام. وتراجعا. ثم جرى بينهما الصلح.


الصفحة التالية
Icon