وهي ضم ثان إلى أول. ووجه الوصف به أن تلك الآيات تثنى في كل ركعة كذا في الكشاف. قيل وهو مأثور عن عمر بن الخطاب وهو مستقيم لأن معناه أنها تضم إليها السورة في كل ركعة ولعل التسمية بذلك كانت في أول فرض الصلاة فإن الصلوات فرضت ركعتين ثم أقرت صلاة السفر وأطيلت صلاة الحضر كذا ثبت في حديث عائشة في الصحيح وقيل العكس وقيل لأنها تثنى في الصلاة أي تكرر فتكون التثنية بمعنى التكرير بناء على ما شاع عند العرب من استعمال المثني في مطلق المكرر نحو " ثم ارجع البصر كرتين " وقولهم لبيك وسعديك وعليه فيكون المراد بالمثاني هنا مثل المراد بالمثاني في قوله تعالى ( كتابا متشابها مثاني ) أي مكرر القصص والأغراض. وقيل سميت المثاني لأنها ثنيت في النزول فنزلت بمكة ثم نزلت في المدينة وهذا قول بعيد جدا وتكرر النزول لا يعتبر قائله وقد اتفق على أنها مكية فأي معنى لإعادة نزولها بالمدينة
وهذه السورة وضعت في أول السور لأنها تنزل منها منزل ديباجة الخطبة أو الكتاب مع ما تضمنته من أصول مقاصد القرآن كما علمت آنفا وذلك شأن الديباجة من براعة الاستهلال. وهذه السورة مكية باتفاق الجمهور وقال كثير إنها أول سورة نزلت والصحيح أنه نزل قبلها ( اقرأ باسم ربك ) وسورة المدثر ثم الفاتحة وقيل نزل قبلها أيضا ( ن والقلم ) وسورة المزمل وقال بعضهم هي أول سورة نزلت كاملة أي غير منجمة بخلاف سورة " القلم " وقد حقق بعض العلماء أنها نزلت عند فرض الصلاة فقرأ المسلمون بها في الصلاة عند فرضها وقد عدت في رواية عن جابر بن زيد السورة الخامسة في ترتيب نزول السور. وأيا ما كان فإنها قد سماها النبي - ﷺ - فاتحة الكتاب، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِىِّ - ﷺ - : أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ :« الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ سَبْعُ آيَاتٍ، إِحْدَاهُنَّ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) وَهِىَ السَّبْعُ مِنَ الْمَثَانِى وَالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَهِىَ أُمُّ الْقُرْآنِ وَهِىَ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ ». (١) وأمر بأن تكون أول القرآن
قلت : ولا يناكد ذلك نزولها بعد سور أخرى لمصلحة اقتضت سبقها قبل أن يتجمع من القرآن مقدار يصير به كتابا فحين تجمع ذلك أنزلت الفاتحة لتكون ديباجة الكتاب. وأغراضها قد علمت من بيان وجه تسميتها أم القرآن
وهي سبع آيات باتفاق القراء والمفسرين ولم يشذ عن ذلك إلا الحسن البصري قال هي ثمان آيات ونسب أيضا لعمرو بن عبيد وإلى الحسين الجعفي قال هي ست آيات ونسب إلى بعضهم غير معين أنها تسع آيات وتحديد هذه الآيات السبع هو ما دل عليه حديث الصحيحين عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - ﷺ - قَالَ « مَنْ صَلَّى صَلاَةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهْىَ خِدَاجٌ - ثَلاَثًا - غَيْرُ تَمَامٍ ». فَقِيلَ لأَبِى هُرَيْرَةَ إِنَّا نَكُونُ

(١) - السنن الكبرى للبيهقي- المكنز - (٢ / ٤٥) (٢٤٨٥) صحيح


الصفحة التالية
Icon