خمسة أقسام، قال: فذكر الله في هذه السورة خمس مرات ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ وأرشد بعد كل مرة إلى مكرمة من قسم من الأقسام الخمسة، وسنأتي على بقية كلامه عند تفسير الآية الأولى من هذه السورة.
وهذه السورة هي أول سور المفصل بتشديد الصاد ويسمى المحكم على أحد أقوال في المذهب، وهو الذي ارتضاه المتأخرون من الفقهاء وفي مبدأ المفصل عندنا أقوال عشرة أشهرها قولان قيل: إن مبدأه سورة ق وقيل سورة الحجرات، وفي مبدأ وسط المفصل قولان أصحهما أنه سورة عبس، وفي قصاره قولان أصحهما أنها من سورة والضحى.
واختلف الحنفية في مبدأ المفصل على أقوال اثني عشر، والمصحح أن أوله من الحجرات، وأول وسط المفصل سورة الطارق، وأول القصار سورة ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ﴾ [الزلزلة: من الآية١].
وعند الشافعية قيل: أول المفصل سورة الحجرات، وقيل سورة ق، ورجحه ابن كثير في التفسير كما سيأتي. وعند الحنابلة أول المفصل سورة ق.
والمفصل هو السور التي تستحب القراءة ببعضها في بعض الصلوات الخمس على ما هو مبين في كتب الفقه. (١)
مناسبتها للسورة قبلها
كان صدّ المسلمين عن البيت الحرام، وقد جاء بهم النبي صلوات اللّه وسلامه عليه إلى مكة معتمرا، واعدا إياهم أن يدخلوا المسجد الحرام، وأن يحلقوا ويقصروا، وقد كان النبي رأى فى منامه رؤيا تأوّلها هذا التأويل وأخبر أصحابه بها ـ كان هذا الصد داعية إلى إثارة هياج فى نفوس المسلمين، وإلى جريان كثير من اللغط على ألسنتهم ـ فجاءت سورة الحجرات، بعد أن رأوا من آيات اللّه مارأوا، وبعد أن صدقت رؤيا الرسول الكريم، ودخلوا المسجد الحرام آمنين ومحلقين ـ جاءت تحمل إليهم هذا الأدب الإلهى الذي يؤدبهم اللّه سبحانه وتعالى به، ويقيمهم على طريقه، مع النبي الكريم، وفى الإيمان به إيمان يقين، لا يخالطه شىء من ريبة أو شك، كما سنرى ذلك فيما جاء فى مطلع السورة. (٢)
مقدمة وتمهيد
١ - سورة « الحجرات » من السور المدنية الخالصة، وعدد آياتها ثماني عشرة آية، وكان نزولها بعد سورة « المجادلة ».
(٢) - التفسير القرآني للقرآن ـ موافقا للمطبوع - (١٣ / ٤٣٢)