وأعلنت قيام رابطة الإخاء والود بين المؤمنين، وحذرت من تفكك الجماعة المؤمنة وإثارة النزاع بين أفرادها، وتوليد الأحقاد والضغائن والكراهية بسبب السخرية والهمز واللمز والتنابز بالألقاب، سواء بين الرجال أو النساء، أو بسبب سوء الظن بالمسلم والتجسس (تتبع العورات) والغيبة والنميمة.
ثم أعلنت مبدأ الإخاء الإنساني، والمساواة بين الشعوب والأفراد من مختلف الأجناس والألوان والعناصر، فلا عداوة ولا طبقية ولا عنصرية، وإنما التفاضل بالتقوى والعمل الصالح ومكارم الأخلاق.
وختمت السورة بالكلام عن الأعراب، فميّزت بين الإيمان والإسلام، وذكرت غرر صفات المؤمنين وشروط المؤمن الكامل (الإيمان باللّه ورسوله، والجهاد بالمال والنفس في سبيل اللَّه) وعابت المنّ على الرسول - ﷺ - بالإسلام، ووضعت ضابط احترام القيم الدينية والأخلاقية، وهو رقابة اللَّه جل جلاله لعباده، وعلمه بغيب السموات والأرض وأهلهما، وبصره بجميع أعمال الخلق. (١)
وهي مدنية بإجماع العلماء، وعدد آياتها ثماني عشرة آية.. هذه السورة جمعت مكارم الأخلاق، وأرشدت المسلمين إليها، وبينت لهم موقفهم مع اللّه، ومع رسول اللّه، وكيف يقابلون أخبار الفساق ؟ وبما ذا يعاملون إخوانهم المؤمنين، سواء أكانوا حاضرين معهم أم غائبين، وبينت حقيقة الإيمان والمؤمنين إلى غير ذلك من فضائل الأعمال، وكريم الخلال.. (٢)
مدنية كما قال الحسن وقتادة، وعكرمة وغيرهم وفي مجمع البيان عن ابن عباس إلا آية وهي قوله تعالى : يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى [الحجرات : ١٣] ولعل من يعتبر ما أخرجه الحاكم في مستدركه. والبيهقي في الدلائل. والبزار في مسنده من طريق الأعمش عن علقمة عن عبد اللّه قال : ما كان يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [الحجرات : ١، ٢، ٦، ١١، ١٢، ١٥] أنزل بالمدينة وما كان يا أَيُّهَا النَّاسُ فبمكة يقول بمكية ما استثنى، والحق أن هذا ليس بمطرد. وذكر الخفاجي أنها في قول شاذ مكية، وهي ثماني عشرة آية بالإجماع، ولا يخفى تواخيها مع ما قبلها لكونهما مدنيتين ومشتملتين على أحكام وتلك فيها قتال الكفار وهذه فيها قتال البغاة، وتلك ختمت بالذين آمنوا وهذه افتتحت بالذين آمنوا، وتلك تضمنت تشريفات له - ﷺ - خصوصا مطلعها وهذه أيضا في مطلعها أنواع من التشريف له عليه الصلاة والسلام، وفي البحر مناسبتها لآخر ما قبلها ظاهر لأنه عز وجل ذكر رسول اللّه - ﷺ - وأصحابه ثم قال سبحانه وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ [الفتح : ٢٩] إلخ فربما صدر من المؤمن عامل الصالحات بعض شيء مما ينبغي أن ينهى عنه فقال جل وعلا تعليما للمؤمنين وتهذيبا لهم. (٣)
(٢) - التفسير الواضح ـ موافقا للمطبوع - (٣ / ٤٩٨)
(٣) - روح المعانى ـ نسخة محققة - (١٣ / ٢٨٤)