التسمية : سميت (سورة الحجرات) لأن الله تعالى ذكر فيها حرمة بيوت النبي ( - ﷺ - ) وهي الحجرات التي كان يسكنها أمهات المؤمنين الطاهرات رضوان الله عليهن. (١)
ولما نوه سبحانه في القتال بذكر النبي - ﷺ - في ابتدائها باسمه الشريق وسمى السورة به، وملأ سورة محمد بتعظيمه، وختمها باسمه، ومدح أتباعه لأجله، افتتح هذه باشتراط الأدب معه في القول والفعل للعد من حزبه والفوز بقربه، ومدار ذلك معالي الأخلاق، وهي إما مع الله سبحانه وتعالى أو مع رسوله - ﷺ - أو مع غيرهما وإن كان كل قسم لا يخلو عن لحظة الآخر، وغيرهما إما أن يكون داخلاً مع المؤمنين في رتبة الطاعة أو خارجاً عنها، وهو الفاسق، والداخل في طاعة المؤمنين السالك لطريقتهم إما أن يكون حاضراً عندهم أو غائباً عنهم، فهذه خمسة أقسام، فصل النداء بسببها خمس مرات، كل مرة لقسم منها، واففتح بالله لأن الأدب معه هو الأصل الجامع للكل والأس الذي لا يبنى إلا عليه، فقال منادياً للمتسمين بأول أسنان القلوب تنبيهاً على أن سبب نزولها من أفعالهم أهل الكمال، فهو هفوة تقال، وما كان ينبغي أن يقال، وليشمل الخطاب المعهود للأدنى - ولو مع النفاق - من فوقه من باب الأولى. (٢)
هذه السورة التي لا تتجاوز ثماني عشرة آية، سورة جليلة ضخمة، تتضمن حقائق كبيرة من حقائق العقيدة والشريعة، ومن حقائق الوجود والإنسانية. حقائق تفتح للقلب وللعقل آفاقا عالية وآمادا بعيدة وتثير في النفس والذهن خواطر عميقة ومعاني كبيرة وتشمل من مناهج التكوين والتنظيم، وقواعد التربية والتهذيب، ومبادئ التشريع والتوجيه، ما يتجاوز حجمها وعدد آياتها مئات المرات! وهي تبرز أمام النظر أمرين عظيمين للتدبر والتفكير.
وأول ما يبرز للنظر عند مطالعة السورة، هو أنها تكاد تستقل بوضع معالم كاملة، لعالم رفيع كريم نظيف سليم متضمنة القواعد والأصول والمبادئ والمناهج التي يقوم عليها هذا العالم والتي تكفل قيامه أولا، وصيانته أخيرا.. عالم يصدر عن اللّه، ويتجه إلى اللّه، ويليق أن ينتسب إلى اللّه.. عالم نقي القلب، نظيف المشاعر، عف اللسان، وقبل ذلك عف السريرة.. عالم له أدب مع اللّه، وأدب مع رسوله، وأدب مع نفسه، وأدب مع غيره. أدب في هواجس ضميره، وفي حركات جوارحه. وفي الوقت ذاته له شرائعه المنظمة لأوضاعه، وله نظمه التي تكفل صيانته. وهي شرائع ونظم تقوم على ذلك الأدب، وتنبثق منه، وتتسق معه فيتوافى باطن هذا العالم وظاهره، وتتلاقى شرائعه ومشاعره، وتتوازن دوافعه وزواجره وتتناسق أحاسيسه وخطاه، وهو يتجه ويتحرك إلى اللّه.. ومن ثم لا يوكل قيام هذا العالم

(١) - صفوة التفاسير ـ للصابونى - (٣ / ٢٤١)
(٢) - نظم الدرر ـ موافق للمطبوع - (٧ / ٣٣٨)


الصفحة التالية
Icon