ثم ذكرت السورة أحوال كفار مكة وغيرهم الذين كذبوا بالقرآن وبالآخرة وما يلقونه من العذاب الشديد في نار جهنم، كما ذكرت أحوال المؤمنين المتقين وما أعد لهم من جنات ونعيم في اليوم الآخر، ليدرك العاقل الفرق بينهما، ويقترن الترهيب بالترغيب للعظة والعبرة.
وتأكيدا لتلك الغاية أشارت الآيات إلى أدلة القدرة الإلهية والوحدانية في الأرض والسماء والأنفس وضمان الأرزاق للعباد، وأوردت أخبار الأمم السالفة التي كذبت رسلها، فكان مصيرهم الدمار والهلاك، وهم قوم إبراهيم ولوط وموسى، وعاد وثمود، وقوم نوح. وكان في الحديث عن قصص هؤلاء الرسل مع أقوامهم تسلية للنبي - ﷺ - عما يلقاه من أذى قومه.
ثم عادت إلى التذكير ببناء السماء وفرش الأرض وإيجاد الزوجين لبقاء النوع الإنساني والحيواني، وأعقبت ذلك بالتزهيد في الدنيا، والفرار إلى اللّه من مخاطرها، والنهي عن الشرك باللّه، والإخبار عن تكذيب الرسل باستمرار، وأمر النبي - ﷺ - بالإعراض عن قومه، وتذكير من تنفعه الذكرى من المؤمنين.
وختمت السورة ببيان الهدف من خلق الجن والإنس وهو معرفة اللّه تعالى وعبادته والإخلاص له، وأخبرت بكفالة الرزق لكل مخلوق، وأوعدت الكفار والمشركين الظالمي أنفسهم بعذاب شديد يوم القيامة، وهددتهم بعذاب في الدنيا مماثل لعذاب أمثالهم ونظرائهم من المكذبين السابقين. (١)
وهي سورة مكية عند الجميع، وعدد آياتها ستون آية. وعلى الجملة فالسورة تدور حول إثبات البعث بالقسم عليه، وذكر بعض أحواله مع المؤمنين والكافرين، ثم قصت قصص بعض الأنبياء، وخلصت من ذلك كله إلى الأمر بالتوحيد وعدم الشرك، مع بيان طبائع الناس. (٢)
«مكية» كما روي عن ابن عباس وابن الزبير رضي اللّه تعالى عنهما - ولم يحك في ذلك خلاف - وهي ستون آية بالاتفاق كما في كتاب العدد، ومناسبتها لسورة «ق» أنهما لما ختمت بذكر البعث واشتملت على ذكر الجزاء والجنة والنار وغير ذلك افتتحت هذه بالإقسام على أن ما وعدوا من ذلك لصادق، وأن الجزاء لواقع، وأنه قد ذكر هناك إهلاك كثير من القرون على وجه الإجمال، وذكر هنا إهلاك بعضهم على سبيل التفصيل إلى غير ذلك مما يظهر للمتأمل. (٣)
* هذه السورة الكريمة من السور المكية التي تقوم على تشييد دعائم الإيمان، وتوجيه الأبصار إلى قدرة الله الواحد القهار، وبناء العقيدة الراسخة على أسس التقوى والإيمان

(١) - التفسير المنير ـ موافقا للمطبوع - (٢٧ / ٥)
(٢) - التفسير الواضح ـ موافقا للمطبوع - (٣ / ٥٣٠)
(٣) - روح المعانى ـ نسخة محققة - (١٤ / ٣)


الصفحة التالية