وإبطال خليط من تكاذيبهم بإعادة الخلق وببعثة الرسول - ﷺ - ليس من كبرائهم وبكون الملائكة بنات الله وإبطال تعدد الآلهة وذكر استهزائهم بالوعيد.
وأمر النبي - ﷺ - بتركهم وأن لا يحزن لذلك، فإن الوعيد حال بهم في الدنيا ثم في الآخرة وأمره بالصبر، ووعده بالتأييد، وأمر بشكر ربه في جميع الأوقات. (١)
مناسبتها لما قبلها
ختمت سورة الذاريات التي سبقت هذه السورة بقوله تعالى :« فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ».
. وفى هذا تهديد ووعيد لأهل الكفر والضلال، بالعذاب الذي أنذروا به، والذي ينتظرهم يوم القيامة.. وقد بدئت سورة « الطور » هذه، بهذه الأقسام، التي أقسم سبحانه وتعالى بها، وأوقعها على وقوع العذاب بأهل الكفر والضلال يوم القيامة، وأنه واقع لا شك فيه.. « إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ ما لَهُ مِنْ دافِعٍ »..
فالسورتان تتلاقيان ختاما وبدءا، حتى لكأنهما سورة واحدة..
وإن الذي ينظمهما فى التلاوة، دون أن يفصل بينهما بالبسملة، ليجد هذا الترابط الوثيق بينهما، فلا يشعر بأن سورة قد انتهت وأخرى قد بدأت..
وهذا ـ فى رأينا ـ دلالة قاطعة على أن ترتيب السور فى المصحف الكريم، هو توفيقىّ من عند اللّه، وبعمل الرسول، تماما كترتيب الآيات فى سورها، وأن الخلاف الذي يدور حول ترتيب السور، وأنه توقيفى ينبغى أن يرتفع، مع قيام هذه الشواهد التي نراها فى تلاحم السور من أول فاتحة الكتاب إلى سورة الناس.. (٢)
مقدمة وتمهيد
١ - سورة « الطور » من السور المكية الخالصة، وعدد آياتها تسع وأربعون آية في الكوفي والشامي، وثمان وأربعون في البصري، وسبع وأربعون في المصحف الحجازي.
وهذه السورة من السور التي كان النبي - ﷺ - يقرأ بها كثيرا في صلاته.
روى الشيخان عن جبير بن مطعم قال : سمعت النبي - ﷺ - يقرأ في المغرب بالطور، فما سمعت أحدا أحسن صوتا أو قراءة منه.

(١) - التحرير والتنوير لابن عاشور - (٢٧ / ٥١)
(٢) - التفسير القرآني للقرآن ـ موافقا للمطبوع - (١٤ / ٥٤١)


الصفحة التالية