سميت سورة (الطور) لافتتاحها بقسم اللّه تعالى بجبل الطور الذي يكون فيه أشجار، كالذي كلّم اللّه عليه موسى، وأرسل منه عيسى، فنال بذلك شرفا عظيما على سائر الجبال.
مناسبتها لما قبلها :
تتجلى للمتأمل مناسبة هذه السورة لسورة الذاريات قبلها من وجوه :
١ - تشابه الموضوع : فإن كلتا السورتين مكية، تضمنت الكلام عن التوحيد والبعث وأحوال الآخرة، والرسالة النبوية، وتفنيد معتقدات المشركين الفاسدة.
٢ - تماثل الابتداء والانتهاء : ففي مطلع كل منهما وصف حال المتقين في الآخرة : إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ [الذاريات ٥١/ ١٥]. إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ [الطور ٥٢/ ١٧] وفي ختام كل منهما صفة حال الكفار : فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا [الذاريات ٥١/ ٦٠]. فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ [الطور ٥٢/ ٤٢].
٣ - اتحاد القسم بآية كونية : ففي الذاريات أقسم اللّه بالرياح الذاريات النافعة في المعاش، وفي الطور أقسم اللّه بالجبل الذي حظي بالنور الإلهي بتكليم موسى عليه السلام وإنزال التوراة عليه لنفع الناس في المعاش والمعاد.
٤ - تطابق الأمر للنبي - ﷺ - بالإعراض عن الكافرين ومتابعة تذكير المؤمنين : ففي الذاريات : فَتَوَلَّ عَنْهُمْ [٥٤] وَذَكِّرْ.. [٥٥] وفي الطور : فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ.. [٢٩] : فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ..
[٤٥].
ما اشتملت عليه السورة :
لما ختم اللّه تعالى السورة المتقدمة بوقوع اليوم الموعود، أقسم على ذلك بالطور، وهو الجبل الذي ذكر مرارا في قصة موسى عليه السلام، والكتاب المسطور : التوراة ونحوها أو اللوح المحفوظ، والبيت المعمور : الكعبة المشرفة، والسقف المرفوع : السماء، والبحر المسجور : المملوء أو الموقد. فهو قسم بآيات كونية علوية وسفلية على أن العذاب آت لا ريب فيه.
ثم وصف اللّه تعالى عذاب النار الذي يزجّ به المكذبون، وما يلقونه من الذل والإهانة، وأردفه بوصف نعيم المتقين أهل الجنة، وما يتمتعون به من أنواع الملذات في الملبس والمسكن والمطعم والمشرب والزواج بالحور العين.
وأعقب هذا الوصف أمر النبي - ﷺ - بمتابعة التذكير، وتبليغ الرسالة، وإنذار الكفرة، والإعراض عن سفاهة المشركين وافترائهم حين يقولون عنه : إنه شاعر، أو كاهن، أو مجنون، أو مفتر على اللّه، ثم أنكر تعالى عليهم مزاعمهم الباطلة هذه، وأثبت بالأدلة الدامغة صدق رسالة النبي - ﷺ -، وأقام البراهين


الصفحة التالية
Icon