وهو المراد بقوله تعالى أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ وإذا انبسط ذهنك أتيت بأبسط من ذلك، وهذان الوجهان يستدعيان حمل الكتاب على المعاني أو تقديرها في التركيب الإضافي، والوجه الأول لا يقتضيه ومن هذا رجحه البعض وإن كان أدق وأحلى لا لأنه يشكل عليهما ما ورد من أن الفاتحة تعدل ثلثي القرآن إذ يزيله إذا ثبت أن الإجمال لا يساوي التفصيل فزيادة مبانيه منزلة منزلة ثلث آخر من الثواب قاله الشهاب ثم قال : ومن العجب ما قيل هنا من أن ذلك لاشتمالها على دلالة التضمن والالتزام وهما ثلثا الدلالات انتهى. وأنا أقول الأعجب من هذا توجيهه رحمه اللّه مع ما رواه الديلمي في الفردوس عن أبي الدرداء فاتحة الكتاب تجزي ما لا يجزىء شيء من القرآن ولو أن فاتحة الكتاب جعلت في كفة الميزان وجعل القرآن في الكفة الأخرى لفضلت فاتحة الكتاب على القرآن سبع مرات فإنه لا يتبادر منه إلا الفضل في الثواب فيعارض ظاهره ذلك الخبر على توجيهه وعلى توجيه صاحب القيل لا تعارض. نعم إنه بعيد ويمكن التوفيق بين الخبرين وبه يزول الإشكال بأن الأول كان أولا وتضاعف الثواب ثانيا ولا حجر على الرحمة الواسعة أو بأن اختلاف المقال لاختلاف الحال أو بأن ما يعدل الشيء كله يعدل ثلثيه أو بأن القرآن في أحد الخبرين أو فيهما بمعنى الصلاة مثله في قوله تعالى : وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً [الإسراء : ٧٨] وذلك يختلف باختلاف مراتب الناس في قراءتهم وصلواتهم فليتدبر، وعلى العلات لا يقاسان بما قيل في وجه التسمية بذلك لأنها أفضل السور أو لأن حرمتها كحرمة القرآن كله أو لأن مفزع أهل الإيمان إليها أو لأنها محكمة والمحكمات أم الكتاب (١)
تضمنت هذه السورة معاني القرآن العظيم، واشتملت على أصول الدين وفروعه، وتناولت العقيدة، والعبادة، والتشريع، والإيمان بالبعث وبصفات اللّه الحسنى، وإفراده بالعبادة والاستعانة والدعاء، والإرشاد إلى طلب الهداية إلى الدين الحق والصراط المستقيم، وتجنب طريق المنحرفين عن هداية اللّه تعالى.
أسماؤها :
للفاتحة اثنا عشر اسما ذكرها القرطبي، وهي الصلاة، للحديث القدسي :«قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين»
«، وسورة الحمد، لأن فيها ذكر الحمد، وفاتحة الكتاب، لأنه تفتتح قراءة القرآن بها لفظا وكتابة، وتفتتح بها الصلوات، وأم الكتاب في رأي الجمهور، وأم القرآن في رأي الجمهور،
لقوله - ﷺ - :«الحمد للّه : أمّ القرآن، وأمّ الكتاب، والسبع المثاني» «١»