الأول. ومع المعاني واللمسات العلوية في المقطع الأخير. وما بينهما مما هو قريب منهما في الجو والموضوع.
والصور والظلال في المقطع الأول، تشع من المجال العلوي الذي تقع فيه الأحداث النورانية والمشاهد الربانية التي يصفها هذا المقطع. ومن الحركات الطليقة للروح الأمين وهو يتراءى للرسول الكريم.. والصور والظلال والحركات والمشاهد والجو الروحي المصاحب، تستمد وتمد ذلك الإيقاع التعبيري وتمتزج به، وتتناسق معه، وتتراءى فيه، في توافق منغم عجيب.
ثم يعم ذلك العبق جو السورة كله، ويترك آثاره في مقاطعها التالية، حتى تختم بإيقاع موح شديد الإيحاء مؤثر عميق التأثير. ترتعش له كل ذرة في الكيان البشري وترف معه وتستجيب.
وموضوع السورة الذي تعالجه هو موضوع السور المكية على الإطلاق : العقيدة بموضوعاتها الرئيسية : الوحي والوحدانية والآخرة. والسورة تتناول الموضوع من زاوية معينة تتجه إلى بيان صدق الوحي بهذه العقيدة ووثاقته، ووهن عقيدة الشرك وتهافت أساسها الوهمي الموهون! والمقطع الأول في السورة يستهدف بيان حقيقة الوحي وطبيعته، ويصف مشهدين من مشاهده، ويثبت صحته وواقعيته في ظل هذين المشهدين ويؤكد تلقي الرسول - ﷺ - عن جبريل - عليه السلام - تلقي رؤية وتمكن ودقة، واطلاعه على آيات ربه الكبرى.
ويتحدث المقطع الثاني عن آلهتهم المدعاة : اللات والعزى ومناة. وأوهامهم عن الملائكة. وأساطيرهم حول بنوتها للّه. واعتمادهم في هذا كله على الظن الذي لا يغني من الحق شيئا. بينما الرسول - ﷺ - يدعوهم إلى ما دعاهم إليه عن تثبت ورؤية ويقين.
والمقطع الثالث يلقن الرسول - ﷺ - الإعراض عمن يتولى عن ذكر اللّه ويشغل نفسه بالدنيا وحدها، ويقف عند هذا الحد لا يعلم وراءه شيئا. ويشير إلى الآخرة وما فيها من جزاء يقوم على عمل الخلق، وعلى علم اللّه بهم، منذ أنشأهم من الأرض، ومنذ كانوا أجنة في بطون أمهاتهم. فهو أعلم بهم من أنفسهم، وعلى أساس هذا العلم المستيقن - لا الظن والوهم - يكون حسابهم وجزاؤهم، ويصير أمرهم في نهاية المطاف.
والمقطع الرابع والأخير يستعرض أصول العقيدة - كما هي منذ أقدم الرسالات - من فردية التبعة، ودقة الحساب، وعدالة الجزاء. ومن انتهاء الخلق إلى ربهم المتصرف في أمرهم كله تصرف المشيئة المطلقة. ومع هذا لفتة إلى مصارع الغابرين المكذبين. تختم بالإيقاع الأخير :«هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى. أَزِفَتِ الْآزِفَةُ. لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ. أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ، وَلا تَبْكُونَ، وَأَنْتُمْ