عليه. ويرده ما أخرجه ابن أبى حاتم عن أبى هريرة قال : أنزل اللّه - تعالى - على نبيه - ﷺ - بمكة قبل يوم بدر : سيهزم الجمع ويولون الدبر، وقال عمر بن الخطاب : قلت : يا رسول اللّه أى جمع يهزم؟ فلما كان يوم بدر، وانهزمت قريش، نظرت إلى رسول اللّه - ﷺ - في آثارهم مصلتا بالسيف، وهو يقول : سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ فكانت ليوم بدر.
وبذلك نرى أن هذا الحديث، وحديث عائشة السابق، يدلان على أن هذه الآيات مكية - أيضا -، وأن الرسول - ﷺ - إنما قرأها في غزوة بدر على سبيل الاستشهاد بها.
٣ - والسورة الكريمة قد تحدثت في مطلعها عن اقتراب يوم القيامة، وعن جحود المشركين للحق بعد إذ جاءهم، وعما سيكونون عليه يوم القيامة من ندم وحسرة. قال - تعالى - :
اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ. وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ. وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ.
٤ - ثم تحدثت السورة الكريمة عن مصارع الغابرين، فذكرت ما حل من هلاك ودمار، بقوم نوح، وهود، ولوط - عليهم السلام - وما حل أيضا بفرعون وملئه من عقاب.
ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة، ببيان مظاهر قدرته، وبليغ حكمته، ودقة نظامه في كونه، وبشر المتقين بما يشرح صدورهم فقال - تعالى - : إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ. وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ. وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ. وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ. وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ. إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ. فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ.
٥ - والمتدبر في السورة الكريمة يراها قد اهتمت بالحديث عن أهوال يوم القيامة، وعن تعنت المشركين وعنادهم، وعن سنن اللّه - تعالى - في خلقه، التي من أبرز مظاهرها، نصر المؤمنين، وخذلان الكافرين. (١)
في السورة إشارة إلى آية انشقاق القمر وحملة على الكفار لمكابرتهم وتكذيبهم لآيات اللّه. وتذكير لهم بأمثالهم المكذبين السابقين. والسورة ذات خصوصية فنية نثرية. وفصولها مترابطة تامة الانسجام والتوازن. وقد ذكر المصحف الذي اعتمدنا عليه أن الآيات [٤٤ - ٤٦] مدنيات وانسجامها التام مع الآيات الأخرى يسوغ التوقف في صحة الرواية.
ولقد روى بعض المفسرين ومنهم ابن كثير عن عائشة رضي اللّه عنها أنها قالت إن الآية [٤٦] نزلت وهي جارية تلعب وقد يكون في هذا قرينة مؤيدة لنزولها في مكة. (٢)
(٢) - التفسير الحديث لدروزة- موافق للمطبوع - (٢ / ٢٧١)