ثم أنذرت كفار مكة بعذاب مشابه لعذاب الأمم السابقة كقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وقوم فرعون جزاء على تكذيبهم الرسل، وأفردت كل قصة عن الأخرى، وعقبتها بعبارة مخيفة تدعو للعجب وهي : فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ؟! وقرنها بقوله : وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ.
ثم وبخت مشركي قريش على غفلتهم عن هذه النذر، وحذرتهم مصرعا مماثلا لمصارع أولئك الأقوام، وهو القتل والهزيمة في الدنيا، وعذاب الآخرة الأدهى والأمرّ، الذي يصاحبه الذل والمهانة بالسحب على وجوههم في النار، فهم في ضلال وسعر.
وختمت السورة ببيان ظاهرة التوازن في خلق الأشياء، وسرعة نفاذ أمر اللّه ومشيئته كلمح البصر، وضرورة العظمة والتذكر بهلاك الطغاة، ورصد جميع أعمال البشر في سجلات محفوظة، وتبشير المتقين بالجنات والكرامات عند ربهم المليك المقتدر.
والخلاصة : أن السورة حافلة بالوعد والوعيد، والعظات والعبر بأخبار الماضين، وتهديد الكفار بعقاب مماثل، وإكرام المتقين في جنات ونعيم.
فضل السورة :
تقدم في فضل سورة ق إيراد حديث أبي واقد الليثي فيما يرويه الإمام أحمد ومسلم وأصحاب السنن الأربعة :«أن رسول اللّه - ﷺ - كان يقرأ بقاف واقتربت الساعة في الأضحى والفطر» وكان يقرأ بهما في المحافل الكبار كالجمع والعيد، لاشتمالها على ذكر الوعد والوعيد، وبدء الخلق وإعادته، والتوحيد وإثبات النبوات وغير ذلك من المقاصد العظيمة. (١)
وهي مكية كلها في قول الجمهور، وهو الصحيح، وعدد آياتها خمس وخمسون آية وتشمل على كثير من الوعد والوعيد، وذكر أخبار الأمم الماضية للعبرة والعظة ثم تهديد الكفار بذكر ما يحل بهم يوم القيامة، وما يلاقيه المتقون من جزاء في جنات صدق. (٢)
وتسمى أيضا «اقتربت» وعن ابن عباس أنها تدعى في التوراة المبيضة تبيض وجه صاحبها يوم تسود الوجوه، أخرجه عنه البيهقي في شعب الإيمان لكن قال : إنه منكر «وهي مكية» في قول الجمهور، وقيل مما نزل يوم بدر، وقال مقاتل : مكية إلا ثلاث آيات أَمْ يَقُولُونَ إلى وَأَمَرُّ [القمر : ٤٤ - ٤٦] واقتصر بعصهم على استثناء سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ [القمر : ٤٥] إلخ، ورد بما أخرجه ابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وابن مردويه عن أبي هريرة قال : أنزل اللّه تعالى على نبيه صلى اللّه تعالى عليه وسلم بمكة قبل
(٢) - التفسير الواضح ـ موافقا للمطبوع - (٣ / ٥٦٧)