ودليل الجمهور والرأي الأصح : ما روى عروة بن الزبير قال : أول من جهر بالقرآن بمكة بعد النبي - ﷺ - ابن مسعود، وذلك أن الصحابة قالوا : ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر به قطّ، فمن رجل يسمعوه؟ فقال ابن مسعود : أنا، فقالوا : إنا نخشى عليك، وإنما نريد رجلا له عشيرة يمنعونه، فأبى، ثم قام عند المقام، فقال : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. الرَّحْمنُ. عَلَّمَ الْقُرْآنَ ثم تمادى رافعا بها صوته، وقريش في أنديتها، فتأملوا وقالوا : ما يقول ابن أمّ عبد؟ قالوا : هو يقول الذي يزعم محمد أنه أنزل عليه، ثم ضربوه، حتى أثّروا في وجهه. وصح أن النبي - ﷺ - قام يصلّي الصبح بنخلة، فقرأ سورة (الرحمن) ومرّ النفر من الجن، فآمنوا به. وفي الترمذي عن جابر قال : خرج رسول اللّه - ﷺ - على أصحابه، فقرأ عليهم سورة (الرحمن) من أولها إلى آخرها، فسكتوا، فقال :«لقد قرأتها على الجنّ ليلة الجن، فكانوا أحسن مردودا منكم، كنت كلما أتيت على قوله : فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ قالوا : لا بشيء من نعمك ربّنا نكذب، فلك الحمد».
وفي هذا دليل على أنها مكية.
تسميتها :
سميت سورة الرحمن، لافتتاحها باسم من أسماء اللّه الحسنى وهو (الرحمن) وهو اسم مبالغة من الرحمة، وهو أشد مبالغة من (الرحيم) وهو المنعم بجلائل النّعم ولجميع الخلق، أما الرحيم : فهو المنعم بدقائق النعم، والخاص بالمؤمنين.
قال الإمام الطبري : الرحمن : لجميع الخلق، والرحيم : بالمؤمنين.
وتسمى أيضا في حديث أخرجه البيهقي عن علي كرم اللّه وجهه مرفوعا (عروس القرآن).
فقال رسول اللّه - ﷺ - :«لكل شيء عروس، وعروس القرآن : سورة الرحمن».
مناسبتها لما قبلها :
تظهر صلة هذه السورة بما قبلها من وجوه :
١ - هذه السورة بأسرها شرح وتفصيل لآخر السورة التي قبلها، ففي سورة القمر بيان إجمالي لأوصاف مرارة الساعة وأهوال النار وعذاب المجرمين، وثواب المتقين ووصف الجنة وأهلها، وفي هذه السورة تفصيل على الترتيب الوارد في الإجمال وعلى النحو المذكور من وصف القيامة والنار والجنة.
٢ - ذكر اللّه تعالى في السورة السابقة أنواع النقم التي حلت بالأمم السابقة قوم نوح وهود وصالح ولوط وآل فرعون، وهنا ذكر أنواع الآلاء والنعم الدينية والدنيوية في الأنفس والآفاق على الناس جميعا. وافتتح السورة السابقة بما يدل على العزة والجبروت والهيبة وهو انشقاق القمر، وافتتح هذه السورة بما يدل على الرحمة والرحموت وهو إنزال القرآن.


الصفحة التالية
Icon