٤٧] ثم وصف الجنة وأهلها ولذا قال تعالى فيهم : وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ وذلك هو عين التقوى ولم يقل ولمن آمن، أو أطاع، أو نحوه لتتوافق الألفاظ في التفصيل والمفصل ويعرف بما ذكر أن هذه السورة كالشرح لآخر السورة قبلها، وقال أبو حيان في ذلك : إنه تعالى لما ذكر هناك مقر المجرمين في سعر، ومقر المتقين فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر : ٥٤] ذكر سبحانه هنا شيئا من آيات الملك وآثار القدرة، ثم ذكر جل وعلا مقر الفريقين على جهة الإسهاب إذ كان ذكره هناك على جهة الاختصار، ولما أبرز قوله سبحانه : عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ بصورة التنكير فكأن سائلا يسأل ويقول من المتصف بهاتين الصفتين الجليلتين؟ فقيل :«الرحمن» إلخ، والأولى عندي أن يعتبر في وجه المناسبة أيضا ما في الإرشاد وهو أنه تعالى لما عدد في السورة السابقة ما نزل بالأمم السالفة من ضروب نقم اللّه عز وجل، وبيّن عقيب كل ضرب منها أن القرآن قد يسر لتذكر الناس واتعاظهم ونعى عليهم إعراضهم عن ذلك عدد في هذه السورة الكريمة ما أفاض على كافة الأنام من فنون نعمه الدينية والدنيوية والأنفسية والآفاقية وأنكر عليهم أثر كل فن منها إخلالهم بمواجب شكرها، وهذا التكرار أحلى من السكر إذ تكرر، وفي الدرر والغرر لعلم الهدى السيد المرتضى التكرار في سورة «الرحمن» إنما حسن للتقرير بالنعم المختلفة المعددة، فكلما ذكر سبحانه نعمة أنعم بها وبخ على التكذيب بها كما يقول الرجل لغيره ألم أحسن إليك بأن خولتك في الأموال؟ ألم أحسن إليك بأن فعلت بك كذا وكذا؟ فيحسن فيه التكرير لاختلاف ما يقرر به وهو كثير في كلام العرب وأشعارهم كقول مهلهل يرثي كليبا :
على أن ليس عدلا من كليب إذا ما ضيم جيران المجير
على أن ليس عدلا من كليب إذا رجف العضاه من الدبور
على أن ليس عدلا من كليب إذا خرجت مخبأة الخدور
على أن ليس عدلا من كليب إذا ما أعلنت نجوى الأمور
على أن ليس عدلا من كليب إذا خيف المخوف من الثغور
على أن ليس عدلا من كليب غداة تأثل الأمر الكبير
على أن ليس عدلا من كليب إذا ما خار جأش المستجير
ثم أنشد قصائد أخرى على هذا النمط ولولا خوف الملل لأوردتها، ولا يرد على ما ذكره أن هذه الآية قد ذكرت بعد ما ليس نعمة لما ستعلمه إن شاء اللّه تعالى في محله، وقسم في الإتقان التكرار إلى أقسام، وذكر أن منه ما هو لتعدد المتعلق بأن يكون المكرر ثانيا متعلقا بغير ما تعلق به الأول ثم قال : وهذا القسم يسمى بالترديد وجعل منه قوله تعالى :