والتنبيهُ لما في القرآن من الهُدى وسبيلِ النجاة، والتذكيرُ برحمة الله ورأفته بخلقه.
والتحريضُ على الإنفاق في سبيل الله، وأن المالَ عرضٌ زائل لا يبقى منه لصاحبه إلا ثوابُ ما أنفق منه في مرضاة الله.
والتخلصُ إلى ما أعدَّ اللهُ للمؤمنين والمؤمنات يوم القيامة من خير، وضِدِّ ذلك للمنافقين والمنافقات.
وتحذيرُ المسلمين من الوقوع في مهواة قساوة القلوب التي وقع فيها أهلُ الكتابِ مِنْ قَبْلِهم من إهمالِ ما جاءهم مِنَ الهدى حتى قست قلوبُهم وجرَّ ذلك إلى الفسوق كثيراً منهم.
والتذكيرُ بالبعث، والدعوةِ إلى قلة الاكتراث بالحياة الفانية، والأمرُ بالصبر على النوائب، والتنويهُ بحكمة إرسال الرسلِ والكتبِ؛ لإقامة أمور الناس على العدل العام.
والإيماءُ إلى فضل الجهاد في سبيل الله.
وتنظيرُ رسالةِ محمد"برسالة نوح وإبراهيم _ عليهما السلام _ على أن في ذريتهما مهتدين وفاسقين، وأن اللهَ أَتْبَعَهُما برسلٍ آخرين منهم عيسى _ عليه السلام _ الذي كان آخرَ رسولٍ أُرْسِلَ بشرع قبل الإسلام، وأن أتباعَه كانوا على سُنَّةِ مَنْ سبقهم: منهم مؤمن، ومنهم كافر.
ثم أهاب بالمسلمين أن يُخْلِصوا الإيمانَ؛ تعريضاً بالمنافقين، وَوَعَدَهم بحسن العاقبة، وأن الله فضَّلهم على الأمم؛ لأن الفضل بيده يؤتيه من يشاء. (١)
مناسبتها لما قبلها
سورة « الواقعة » مكية وسورة « الحديد » هذه مدنية، ومع هذا فقد انتظمت السورتان فى سلك واحد، فكان ختام سورة « الواقعة » مصافحا لبدء سورة « الحديد » وكان بدء « الحديد » جوابا وتلبية لهذا الأمر الذي كان ختام سورة « الرحمن ». وتقرأ خاتمة « الواقعة » :« فسبح باسم ربك العظيم » ومفتتح « الحديد » « سبّح للّه ما فى السموات والأرض وهو العزيز الحكيم » فترى الوجود كله فى سمواته وفى أرضه، فى محراب التسبيح للّه، وفى موقف الولاء له، والقنوت لعزته وجلاله وحكمته..
وهذا التجاوب بين السورتين، شاهد من الشواهد الكثيرة، التي تشهد بأن ترتيب السور كما هى عليه فى المصحف، هو ترتيب توفيقى، كترتيب الآيات فى سورها، وأن ترتيب الآيات فى سورها كترتيب الكلمات فى آياتها، وأن ترتيب الكلمات فى آياتها كترتيب الحروف فى كلماتها.. ولا يكون القرآن قرآنا

(١) - التقريب لتفسير التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور - (١ / ٢٣٦)


الصفحة التالية
Icon