ثم توكيد وتذكير بحضور اللّه - سبحانه - وشهوده لكل نجوى في خلوة، يحسب أصحابها أنهم منفردون بها. واللّه معهم أينما كانوا :«ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ، إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ».. وهي صورة تملأ القلب كذلك بوجود اللّه وحضوره، كما تملؤه برقابته واطلاعه.
وهذا التوكيد مقدمة لتهديد الذين يتناجون في خلواتهم لتدبير المكايد للمسلمين، وملء قلوبهم بالحزن والهم والتوجس. تهديد بأن أمرهم مكشوف، وأن عين اللّه مطلعة عليهم، ونجواهم بالإثم والعدوان ومعصية الرسول مسجلة، وأن اللّه آخذهم بها ومعذبهم عليها. ونهي للمسلمين عن التناجي بغير البر والتقوى، وتربية نفوسهم وتقويمها بهذا الخصوص.
ثم يستطرد في تربية هذه النفوس المؤمنة فيأخذها بأدب السماحة وبالطاعة في مجلس رسول اللّه - ﷺ - ومجالس العلم والذكر. كما يأخذها بأدب السؤال والحديث مع الرسول - ﷺ - والجد في هذا الأمر والتوقير.
أما بقية السورة بعد هذا فتنصرف إلى الحديث عن المنافقين الذين يتولون اليهود ويتآمرون معهم، ويدارون تآمرهم بالكذب والحلف للرسول وللمؤمنين. وتصورهم في الآخرة كذلك حلافين كذابين يتقون بالحلف والكذب ما يواجههم من عذاب اللّه، كما كانوا يتقون بهما في الدنيا ما يواجههم من غضب رسول اللّه والمؤمنين! مع توكيد أن الذين يحادون اللّه ورسوله كتب اللّه عليهم أنهم في الأذلين وأنهم هم الأخسرون. كما كتب أنه ورسله هم الغالبون. وذلك تهوينا لشأنهم، الذي كان بعض المنتسبين إلى الإسلام - وبعض المسلمين - يستعظمه، فيحافظ على مودته معهم، ولا يدرك ضرورة تميز الصف المسلم تحت راية اللّه وحدها، والاعتزاز برعاية اللّه وحده، والاطمئنان إلى حراسته الساهرة للفئة التي يصنعها على عينه، ويهيئها لدورها الكوني المرسوم.
وفي ختام السورة تجيء تلك الصورة الوضيئة لحزب اللّه. هذه الصورة التي كان يمثلها بالفعل أولئك السابقون من المهاجرين والأنصار. والتي كانت الآية الكريمة تشير لها كي ينتهي إليها أولئك الذين ما زالوا بعد في الطريق!
«لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ..» إلخ الآية... كما وردت في أول هذا التقديم.. (١)
خلاصة موضوعات هذه السورة الكريمة
(١) ألفة الأزواج فى المنازل.