وماله. فقال :«صدق لا تقولوا إلا خيرا». فقال عمر : إنه قد خان اللّه ورسوله والمؤمنين، فدعني فلأضرب عنقه. فقال :«أليس من أهل بدر؟ - فقال - : لعل اللّه اطلع إلى أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة - أو - قد غفرت لكم» فدمعت عينا عمر، وقال : اللّه ورسوله أعلم.. وزاد البخاري في كتاب المغازي : فأنزل اللّه السورة :«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ».. وفي رواية أخرى أن الذين أرسلوا كانوا هم علي والزبير والمقداد.
والوقوف قليلا أمام هذا الحادث وما دار بشأنه لا يخرج بنا عن «ظلال القرآن» والتربية به وبالأحداث والتوجيهات والتعقيبات عن طريق رسول اللّه - ﷺ - القائد المربي العظيم..
وأول ما يقف الإنسان أمامه هو فعلة حاطب، وهو المسلم المهاجر، وهو أحد الذين أطلعهم رسول اللّه - ﷺ - على سر الحملة.. وفيها ما يكشف عن منحنيات النفس البشرية العجيبة، وتعرض هذه النفس للحظات الضعف البشري مهما بلغ من كمالها وقوتها وأن لا عاصم إلا اللّه من هذه اللحظات فهو الذي يعين عليها.
ثم يقف الإنسان مرة أخرى أمام عظمة الرسول - ﷺ - وهو لا يعجل حتى يسأل :«ما حملك على ما صنعت» في سعة صدر وعطف على لحظة الضعف الطارئة في نفس صاحبه، وإدراك ملهم بأن الرجل قد صدق، ومن ثم يكف الصحابة عنه :«صدق لا تقولوا إلا خيرا».. ليعينه وينهضه من عثرته، فلا يطارده بها ولا يدع أحدا يطارده. بينما نجد الإيمان الجاد الحاسم الجازم في شدة عمر :«إنه قد خان اللّه ورسوله والمؤمنين.
فدعني فلأضرب عنقه».. فعمر - رضي اللّه عنه - إنما ينظر إلى العثرة ذاتها فيثور لها حسه الحاسم وإيمانه الجازم. أما رسول اللّه - ﷺ - فينظر إليها من خلال إدراكه الواسع الشامل للنفس البشرية على حقيقتها، ومن كل جوانبها، مع العطف الكريم الملهم الذي تنشئه المعرفة الكلية. في موقف المربي الكريم العطوف المتأني الناظر إلى جميع الملابسات والظروف..
ثم يقف الإنسان أمام كلمات حاطب، وهو في لحظة ضعفه، ولكن تصوره لقدر اللّه وللأسباب الأرضية هو التصور الإيماني الصحيح.. ذلك حين يقول :«أردت أن تكون لي عند القوم يد.. يدافع اللّه بها عن أهلي ومالي».. فاللّه هو الذي يدفع، وهذه اليد لا تدفع بنفسها، إنما يدفع اللّه بها. ويؤكد هذا التصور في بقية حديثه وهو يقول :«وليس أحد من أصحابك إلا له هناك من عشيرته من يدافع.. اللّه.. به عن أهله وماله» فهو اللّه حاضر في تصوره، وهو الذي يدفع لا العشيرة. إنما العشيرة أداة يدفع اللّه بها..