ثم حذرت من الفرقة والعصيان والمخالفة شأن بني إسرائيل الذين عصوا أمر موسى وعيسى عليهما السلام حينما أمرهم موسى بقتال الجبارين، وأمرهم عيسى باتباعه واتباع الرسول أحمد - ﷺ - الذي يأتي بعده وتلك بشارة به : وَإِذْ قالَ مُوسى.. وَإِذْ قالَ عِيسَى.. الآية، ثم ضربت المثل للمشركين بمن يريد إطفاء نور اللّه بأفواههم : يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا...
وأردفت ذلك بالبشارة والإخبار بنصرة الإسلام ودعوته وتفوقه وغلبته على سائر الأديان، فهو دين الهدى والحق.
ثم رسمت طريق الهدى، وأوضحت منهاج السعادة الكبرى وسبيل النجاة من العذاب الأخروي بإعلان الإيمان باللّه تعالى ورسوله - ﷺ -، والجهاد في سبيل اللّه بالأموال والأنفس، وبيان ثمرة الجهاد وهو النصر في الدنيا وثواب المجاهدين في الآخرة، وأكدت ذلك بالأمر بنصرة دين اللّه عز وجل، كمناصرة الحواريين دين عيسى عليه السلام : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ.. الآيات، وبالدعوة إلى نصرة دين اللّه يتناسب ختام السورة مع بدايتها. (١)
هذه السورة مدنية كلها على الصحيح، وآياتها أربع عشرة آية، ونزلت بعد التغابن.
وتشتمل على تنبيه المؤمنين لبعض الواجب عليهم، وتحذيرهم من أن يكونوا كقوم موسى وعيسى، مع بيان أن الإسلام هو دين اللّه، وأنه غالب على الأديان، ثم رسمت طريق الهدى الموصل إلى النجاة من العذاب. (٢)
وتسمى أيضا سورة الحواريين وسورة عيسى عليه السلام، وهي مدنية في قول الجمهور، وروي ذلك عن ابن الزبير وابن عباس والحسن وقتادة وعكرمة ومجاهد، وقال ابن يسار : مكية، وروي ذلك عن ابن عباس ومجاهد أيضا، والمختار الأول، ويدل له ما أخرجه الحاكم وغيره عن عبد اللّه بن سلام قال : قعدنا نقرأ من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه تعالى عليه وسلم فتذاكرنا فقلنا : لو نعلم أي الأعمال أحب إلى اللّه تعالى لعملناه فأنزل اللّه سبحانه سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ [الصف : ١، ٢] قال عبد اللّه فقرأها علينا رسول اللّه صلّى اللّه تعالى عليه وسلم حتى ختمها، وروي هذا الحديث مسلسلا يقرأها علينا، وهو حديث صحيح على شرط الشيخين أخرجه الإمام أحمد والترمذي وخلق كثير حتى قال الحافظ ابن حجر : إنه أصح مسلسل يروي في الدنيا إن وقع في المسلسلات مثله في مزيد علوه، وكذا ما روي في سبب النزول عن الضحاك
(٢) - التفسير الواضح ـ موافقا للمطبوع - (٣ / ٦٦٤)