كما تذكر الروايات، التي قد لا تكون دقيقة من حيث العدد، ولكنها ثابتة من حيث وقوع هذه الحركة من عدد من الحاضرين اقتضى التنبيه إليها في القرآن الكريم. وهي حادثة تكشف بذاتها عن مدى الجهد الذي بذل في تربية تلك الجماعة الأولى حتى انتهت إلى ما انتهت إليه وحتى صارت ذلك النموذج الفريد في تاريخ الإسلام وفي تاريخ البشرية جميعا. وتلهمنا الصبر على مشقة بناء النفوس في أي جيل من الأجيال، لتكوين الجماعة المسلمة التي تنهض بحمل أمانة هذه العقيدة، وتحاول تحقيقها في عالم الواقع كما حققتها الجماعة الأولى.
وفي السورة مباهلة مع اليهود، بدعوتهم إلى تمني الموت للمبطلين من الفريقين وذلك ردا على دعواهم أنهم أولياء اللّه من دون الناس، وأنهم شعب اللّه المختار، وأن بعثة الرسول في غيرهم لا تكون!
كما كانوا يدعون! مع جزم القرآن بأنهم لن يقبلوا هذه المباهلة التي دعوا إليها فنكلوا عنها لشعورهم ببطلان دعواهم. وتعقب السورة على هذا بتقرير حقيقة الموت الذي يفرون منه، وأنه ملاقيهم مهما فروا، وأنهم مردودون إلى عالم الغيب والشهادة فمنبئهم بما كانوا يعملون.. وهو تقرير لا يخص اليهود وحدهم، إنما يلقيه القرآن ويدعه يفعل فعله في نفوس المؤمنين كذلك. فهذه الحقيقة لا بد أن تستقر في نفوس حملة أمانة اللّه في الأرض، لينهضوا بتكاليفها وهم يعرفون الطريق!
هذا هو اتجاه السورة، وهو قريب من اتجاه سورة الصف قبلها، مع تميز كل منهما بالجانب الذي تعالجه، وبالأسلوب الذي تأخذ القلوب به، والظلال التي تلقيها هذه وتلك في الاتجاه الواحد العام. فلننظر كيف يتناول الأسلوب القرآني هذا الاتجاه.. (١)
خلاصة موضوعات السورة
(١) وصفه تعالى نفسه بصفات الكمال.
(٢) صفات النبي الأمىّ الذي بعثه اللّه رحمة للعالمين.
(٣) النعي على اليهود لتركهم العمل بأحكام التوراة.
(٤) طلب مباهلة اليهود.
(٥) الحث على السعى للصلاة يوم الجمعة حين النداء والإمام على المنبر.
(٦) الأمر بالسعي على الأرزاق بعد انقضاء الصلاة.
(٧) عتاب المؤمنين على تركهم النبىّ - ﷺ - وهو يخطب قائما وتفرقهم لرؤية التجارة أو اللهو. (٢)
===============

(١) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (٦ / ٣٥٦٢)
(٢) - تفسير الشيخ المراغى ـ موافقا للمطبوع - (٢٨ / ١٠٤)


الصفحة التالية
Icon