وذكر بعضهم أنها نزلت في غزوة « تبوك »، ومما يشهد لضعف هذا القول، أن المنافقين في هذا الوقت - وهو السنة التاسعة من الهجرة، كانوا قد زالت دولتهم، وضعف شأنهم، وما كان لواحد منهم أن يقول : لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ.
٣ - وسميت هذه السورة بسورة « المنافقون »، لأنها فضحتهم، ووصفتهم بما هم أهله من صفات ذميمة، ومن طباع قبيحة، ومن مسالك سيئة... ويكاد حديثها يكون مقصورا عليهم، وعلى أكاذيبهم ودسائسهم.
وحديث القرآن عن النفاق والمنافقين، قد ورد في كثير من السور المدنية، ففي سورة البقرة نجد حديثا مستفيضا عنهم، يبدأ بقوله - تعالى - : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ.
وفي سورة آل عمران نجد توبيخا من اللّه - تعالى - لهم، كما في قوله - عز وجل - :
الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا، لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا، قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.
وفي سورة النساء نجد آيات متعددة تتحدث عن قبائحهم، ومن ذلك قوله - تعالى - :
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ، وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ، يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ، وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً. وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ، رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً.
أما سورة « التوبة » فهي أكثر السور حديثا عنهم، ولذا سميت بالفاضحة لأنها فضحتهم على رءوس الأشهاد، كما سميت بالمنقرة، لأنها نقرت عما في قلوبهم، وكشفت عنه، كما سميت بالمبعثرة لأنها بعثرت أسرارهم...
والحق أنه لا تكاد تخلو سورة من السور المدنية، من الحديث عن المنافقين وعن سوء سلوكهم وأخلاقهم. ووجوب ابتعاد المؤمنين عنهم.
٤ - والنفاق إنما يظهر ويفشو حيث تكون القوة، لذا لم يكن للمنافقين أثر في العهد المكي، لأن المؤمنين كانوا قلة مستضعفين في الأرض، ومن كان هذا شأنه لا ينافقه الناس، فضلا عن أن مشركي مكة كانوا بطبيعتهم جبابرة، وكانوا يعلنون حربهم على الدعوة الإسلامية إعلانا سافرا. لا التواء معه ولا مداهنة.
أما المؤمنون في العهد المدني، فقد كانوا أقوياء خصوصا بعد أن أسسوا دولتهم، وانتصروا على المشركين في غزوة بدر.. كما انتصروا على اليهود.. فظهرت حركة النفاق في المدينة، لمداهنة المؤمنين


الصفحة التالية
Icon