أن النبي لم يلبث أن أخذ مركزه يتوطد وقوته تزداد، ودائرة الإسلام تتسع، وصار صاحب سلطان وأمر نافذ وجانب عزيز وإذ لم يكن المنافقون كتلة متضامنة ذات شخصية خاصة بارزة، وكان ضعفهم وضآلة عددهم وشأنهم يسيران سيرا متناسبا عكسيا مع ما كان من تزايد قوة النبي - ﷺ - واتساع دائرة الإسلام، وتوطد عزته وسلطانه.
«ويكفيك لأجل أن تشعر بخطورة الدور الذي قام به المنافقون، وخاصة في أوائل العهد، أن تلاحظ أن المنافقين كانوا أقوياء نسبيا بعصبياتهم التي كانت ما تزال قوية الأثر في نفوس سواد قبائلهم، كما أنهم لم يكونوا مفضوحين فضيحة تامة، ولم يكن الإسلام قد رسخ في هذا السواد رسوخا كافيا وأن النبي - ﷺ - كان محوطا بالمشركين الجاحدين من كل جانب، وأهل مكة خصومه الألداء، وهم قبلة الجزيرة يتربصون به الدوائر، ويتحينون كل فرصة ووسيلة للقضاء عليه واليهود في المدينة وحولها قد تنكروا له منذ عهد مبكر وتطيروا به، ثم جاهروه بالكفر والعداء والمكر ولم يلبث أن انعقد بينهم وبين المنافقين حلف طبيعي على توحيد المسعى، والتضامن في موقف المعارضة والكيد، حتى ليمكن القول : إن المنافقين لم يقووا ويثبتوا ويكن منهم ذلك الأذى الشديد والاستمرار في الكيد والدس إلا بسبب ما لقوه من اليهود من تعضيد، وما انعقد بينهم من تضامن وتواثق، ولم يضعف شأنهم ويخف خطرهم إلا بعد أن مكن اللّه للنبي من هؤلاء وأظهره عليهم، وكفاه شرهم». (١)
تضمنت هذه السورة شيئين
(١) وصف المنافقين وبيان سيىء خصالهم من الكذب والأيمان الفاجرة والجبن.
(٢) حث المؤمنين على الطاعة وإنفاق المال قبل انقضاء الأجل. (٢)
===============

(١) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (٦ / ٣٥٧٢)
(٢) - تفسير الشيخ المراغى ـ موافقا للمطبوع - (٢٨ / ١١٧)


الصفحة التالية
Icon