٣ - أمر اللّه في آخر سورة (المنافقون) السالفة بالإنفاق في سبيل اللّه : وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ.. كذلك أمر بالإنفاق في أواخر هذه السورة : وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ.. كما أن سورة التغابن تدل على أنه يغبن الناس في يوم القيامة بعضهم بعضا بترك الإيمان والعمل الصالح والإنفاق في سبيل اللّه.
ويلاحظ الترتيب بين السور الست التالية، فإنها اشتملت على أصناف الأمم، فسورة الحشر : في ذكر المعاهدين من أهل الكتاب، فإنها نزلت في بني النضير حين نبذوا العهد وقوتلوا، وسورة الممتحنة : في ذكر المعاهدين من المشركين، وسورة الصف : ذكر فيها أهل الكتاب : اليهود والنصارى، والمؤمنون، وكذلك سورة الجمعة : ذكر فيها اليهود وأهل الإيمان، وسورة (المنافقون) : في أهل النفاق، وسورة التغابن : ذكر فيها المشركون والكفار بنحو عام. وبه يتبين أن الفصل بين المسبّحات التي هي نظائر (و هي الحشر والصف والجمعة والتغابن) جاء لحكمة دقيقة هي الكلام الشامل عن هذه الأمم.
ما اشتملت عليه السورة :
سورة التغابن من السور المدنية التي عنيت خلافا للمعتاد بأمور متعلقة بالعقائد.
ابتدأت ببيان بعض صفات اللّه الحسنى المتصلة بجلال اللّه وقدرته وعلمه وخلقه الإنسان الذي يؤول أمره إلى أحد قسمين : مؤمن وكافر.
ثم أنذرت الكفار بما حل بالأمم الماضية التي كذبت الرسل بسبب بشريتهم، وإنكارهم البعث، والرد عليهم بقسم اللّه بوقوعه وأنه حق، وبجزائه على الأعمال.
ودعت بعدئذ إلى الإيمان باللّه تعالى والرسول - ﷺ - والقرآن النور الذي أنزله على نبيه محمد - ﷺ -، وهددت بما يلقاه الناس يوم القيامة يوم يغبن فيه الكافر بتركه الإيمان، ويغبن المؤمن بتقصيره في الإحسان، ويدخل المؤمنون الذين يعملون الصالحات الجنان، ويدخل الكافرون النيران، وفي ذلك أمر بالطاعة وتحذير من المعصية.
ثم أبانت أن كل ما يحدث في الكون بإرادة اللّه ومشيئته، وأكدت الأمر بطاعة اللّه تعالى والرسول - ﷺ - والتوكل على اللّه وحده، فإن أعرضوا فلا يضير رسول اللّه - ﷺ - بقاءهم على الكفر.
ثم حذرت من عداوة بعض الأزواج والأولاد الذين يمنعون الإنسان أحيانا عن الجهاد، وأوصت بالعفو والصفح عن المسيء، وأخبرت بأن الأموال والأولاد فتنة واختبار.
وختمت السورة بالأمر بالتقوى والإنفاق في سبيل اللّه لإعلاء دينه، وحذرت من الشح والبخل، وأبانت مضاعفة الثواب للمحسنين المنفقين من أجل إعلاء كلمة اللّه تعالى. (١)

(١) - التفسير المنير ـ موافقا للمطبوع - (٢٨ / ٢٣٢) و تفسير الشيخ المراغى ـ موافقا للمطبوع - (٢٨ / ١١٨)


الصفحة التالية
Icon