والسور الثلاث المذكورة قد فسرناها في سلسلة السور المكية لرجحان مكيتها على ما شرحناه قبل، فصار ترتيب هذه السورة بعد سورة محمد - ﷺ - مباشرة. وهي السورة الثانية التي تبدأ بتوجيه الخطاب إلى النبي - ﷺ - والأولى هي سورة الأحزاب. (١)
سورة الطلاق مدنية، وهي اثنتا عشرة آية.
تسميتها : سميت سورة الطلاق، لبيان أحكام الطلاق والعدة فيها، وافتتاحها بقوله تعالى : يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ...
مناسبتها لما قبلها :
تتعلق هذه السورة بما قبلها من وجهين :
١ - أنه قال في أواخر التغابن : إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ ولما كانت عداوة الأزواج قد تفضي إلى الطلاق، وعداوة الأولاد قد تؤدي إلى القسوة وترك الإنفاق عليهم، عقب ذلك بسورة فيها أحكام الطلاق والإنفاق على الأولاد وعلى المطلقات.
٢ - أشار اللّه تعالى في آخر التغابن إلى كمال علمه بقوله : عالِمُ الْغَيْبِ وأشار في آخر هذه السورة إلى كمال علمه بمصالح النساء وبالأحكام الخاصة بطلاقهن، فكأنه بيّن ذلك العلم الكلي بهذه الجزئيات.
ما اشتملت عليه السورة :
موضوع هذه السورة المدنية بيان الأحكام التشريعية التي تنظم حال الأسرة أثناء قيامها وبعد انفصال الزوجين.
شرعت السورة في الكلام على أحكام الطلاق السّنّي الذي يستقبل به العدة، وأحكام العدة وإحصاء وقتها مع تقوى اللّه ورقابته في إعلان انقضائها.
وأمرت الأزواج بعدئذ بالإمساك بالمعروف أو المفارقة بالإحسان. وأشادت في مجال العلاقات الزوجية وغيرها بتقوى اللّه والتوكل عليه.
ثم أبانت حكم عدة المرأة اليائس من المحيض التي انقطع دمها لكبر أو مرض، وعدة الصغيرة التي لم تحض، ومدتهما واحدة وهي ثلاثة أشهر. وأردفت ذلك ببيان عدة المرأة الحامل وهي وضع الحمل.
واقتضى البيان توضيح حكم النفقة والسكنى أثناء العدة، وحكم إعطاء الأجر على الرضاع، وتقدير النفقة يسارا وإعسارا، وتخلل ذلك الأمر بالتقوى منعا من الظلم وتجاوز الحدود.

(١) - التفسير الحديث لدروزة- موافق للمطبوع - (٨ / ٣٣٣)


الصفحة التالية
Icon