وقد تضمنت هذه السورة بيان الوقت الذي يمكن أن يقع فيه الطلاق الذي يقبله اللّه ويجري وفق سنته :«يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ»..
وحق المطلقة وواجبها في البقاء في بيتها - وهو بيت مطلقها - فترة العدة لا تخرج ولا تخرج إلا أن تأتي بفاحشة مبينة :«لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ»..
وحقها بعد انقضاء العدة في الخروج لتفعل بنفسها ما تشاء، ما لم يكن الزوج قد راجعها وأمسكها في فترة العدة، لا ليضارها ويؤذيها بهذا الإمساك ويعطلها عن الزواج، ولكن لتعود الحياة الزوجية بينهما بالمعروف :
«فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ».. وهذا مع الإشهاد على الإمساك أو الفراق :
«وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ»..
وفي سورة البقرة بين مدة العدة للمطلقة ذات الحيض - وهي ثلاثة قروء بمعنى ثلاث حيضات أو ثلاثة أطهار من الحيضات على خلاف فقهي - وهنا بين هذه المدة بالنسبة للآيسة التي انقطع حيضها وللصغيرة التي لم تحض :«وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ»..
وبين عدة الحامل :«وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ»..
ثم فصل حكم المسكن الذي تعتد فيه المعتدة ونفقة الحمل حتى تضع :«أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ، وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ. وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ»..
ثم حكم الرضاعة لولد المطلقة حين تضعه، وأجر الأم على الرضاعة في حالة الاتفاق بينها وبين أبيه على مصلحة الطفل بينهما، وفي حالة إرضاعه من أخرى :«فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ. وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى »..
ثم زاد حكم النفقة والأجر في جميع الحالات تفصيلا، فجعله تابعا لحالة الزوج وقدرته :«لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ، وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ. لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها»..
وهكذا تتبعت النصوص سائر الحالات، وما يتخلف عنها، بأحكام مفصلة دقيقة، ولم تدع شيئا من أنقاض الأسرة المفككة بالطلاق إلا أراحته في مكانه، وبينت حكمه، في رفق وفي دقة وفي وضوح..
ويقف الإنسان مدهوشا أمام هذه السورة وهي تتناول أحكام هذه الحالة ومتخلفاتها. وهي تحشد للأمر هذا الحشد العجيب من الترغيب والترهيب، والتعقيب على كل حكم، ووصل هذا الأمر بقدر اللّه في السماوات والأرضين، وسنن اللّه في هلاك العاتين عن أمره، وفي الفرج والسعة لمن يتقونه. وتكرار الأمر