جاء في هذه السورة بالإيماء بالحرف الذي في أولها إلى تحدي المعاندين بالتعجيز عن الإتيان بمثل سور القرآن وهذا أول التحدي الواقع في القرآن إذ ليس في سورة العلق ولا في المزمل ولا في المدثر إشارة إلى التحدي ولا تصريح.
وفيها إشارة إلى التحدي بمعجزة الأمية بقوله: ﴿وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ [القلم: ١].
وابتدئت بخطاب النبي - ﷺ - تأنيسا له وتسلية عما لقيه من أذى المشركين.
وإبطال مطاعن المشركين في النبي - ﷺ -.
وإثبات كمالاته في الدنيا والآخرة وهديه وضلال معانديه وتثبيته.
وأكد ذلك بالقسم بما هو من مظاهر حكمة الله تعالى في تعليم الإنسان الكتابة فتضمن تشريف حروف الهجاء والكتابة والعلم لتهيئة الأمة لخلع دثار الأمية عنهم وإقبالهم على الكتابة والعلم لتكون الكتابة والعلم سببا لحفظ القرآن.
ثم أنحى على زعماء المشركين مثل أبي جهل والوليد بن المغيرة بمذمات كثيرة وتوعدهم بعذاب الآخرة وببلايا في الدنيا بأن ضرب لهم مثلا بمن غرهم عزهم وثراؤهم، فأزال الله ذلك عنهم وأباد نعمتهم.
وقابل ذلك بحال المؤمنين المتقين وأن الله اجتباهم بالإسلام، وأن آلهتهم لا يغنون عنهم شيئا من العذاب في الدنيا ولا في الآخرة.
ووعظهم بأن ما هم فيه من النعمة استدراج وإملاء جزاء كيدهم. وأنهم لا معذرة لهم فيما قابلوا به دعوة النبي - ﷺ - من طغيانهم ولا حرج عليهم في الإنصات إليها.
وأمر رسوله - ﷺ - بالصبر في تبليغ الدعوة وتلقي أذى قومه، وأن لا يضجر في ذلك ضجرا عاتب الله عليه نبيه يونس عليه السلام. (١)
مناسبتها لما قبلها
بين هذه السورة، وسورة الملك قبلها، أكثر من مناسبة..
فأولا : ختمت سورة « الملك » بقوله تعالى :« قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ ».. وفى هذا ـ كما قلنا ـ تهديد للمشركين بذهاب هذا النور الذي يرفعه النبي - ﷺ - لأبصارهم، من آيات اللّه، وكلماته.. وبدئت سورة القلم بقوله تعالى :« ن. وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ ».. لتلفت المشركين إلى هذا النور القرآنىّ الذي يكتبه الكاتبون، بعد أن يتلقاه النبىّ من ربّه، وأنهم إن لم يبادروا إلى الإمساك به فى قلوبهم، وحفظه فى صدورهم، يوشك أن يفلت من بين أيديهم، فلا يلقوه أبدا.. كما أن فى ذكر

(١) - التحرير والتنوير لابن عاشور - (٢٩ / ٥٤)


الصفحة التالية
Icon