هذه السورة كبقية السور المكية تتحدث عن أصول العقيدة الصحيحة، وفي قمّتها إثبات البعث والنشور، والجزاء والحساب، وأوصاف العذاب والنار.
شرعت السورة ببيان موقف أهل مكة من دعوة الرسول اللّه - ﷺ - واستهزائهم به، وسؤال الكفار عن عذاب اللّه واستعجالهم به استهزاء وسخرية وعنادا متمثلا ذلك بالنضر بن الحارث بن كلدة حين طلب إيقاع العذاب، والعذاب واقع بهم : سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ، لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ..[الآيات : ١ - ٧].
ثم وصف يوم القيامة وأهواله، والنار وعذابها، وأحوال المجرمين في ذلك اليوم الرهيب : يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ.. [الآيات : ٨ - ١٨].
وناسب ذلك الحديث الاستطرادي عن طبيعة الإنسان وصفاته التي أوجبت له النار، ومدارها الجزع عند الشدة، والبطر عند النعمة، والبخل والشح عند الحاجة والأزمة وعلاج الفقر : إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً.. [الآيات : ١٩ - ٢١].
واستثنت من ذلك المؤمنين المصلين الذين يتحلّون بمكارم الأخلاق، فيؤدون حقوق اللّه وحقوق العباد معا فيستحقون الخلود في الجنان : إِلَّا الْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ.. [الآيات : ٢٢ - ٣٥].
ثم نددت السورة بالكفار، وهددتهم بالفناء والتبديل، وأوعدتهم بما يلاقونه يوم القيامة، ووصفت أحوالهم السيئة في الآخرة وقت البعث والنشور : فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ.. [الآيات : ٣٦ - ٧٠]. (١)
مكية بالإجماع، وعدد آياتها أربع وأربعون آية. وتشمل تهديد المشركين بعذاب واقع، مع التعرض لوصف القيامة، ثم الكلام على الإنسان وطبعه وعلاجه، ثم ختام السورة بمثل ما بدئت به. (٢)
وتسمى سورة المواقع وسورة سأل وهي مكية بالاتفاق على ما قال القرطبي وفي مجمع البيان عند الحسن إلا قوله تعالى وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ [المعارج : ٢٤] وآيها ثلاث وأربعون في الشامي واثنتان وأربعون في غيره وهي كالتتمة لسورة الحاقة في بقية وصف القيامة والنار وقد قال ابن عباس إنها نزلت عقيب سورة الحاقة. (٣)

(١) - التفسير المنير ـ موافقا للمطبوع - (٢٩ / ١٠٩)
(٢) - التفسير الواضح ـ موافقا للمطبوع - (٣ / ٧٤٢)
(٣) - روح المعانى ـ نسخة محققة - (١٥ / ٦٢)


الصفحة التالية