ثم أوضحت السورة أصول التشريع الإسلامي للمؤمنين به، في نطاق العبادات والمعاملات، من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت والجهاد في سبيل اللّه وتنظيم أحكام القتال، واعتماد الأشهر القمرية في التوقيت الديني، والإنفاق في سبيل اللّه، لأنه وسيلة للوقاية من الهلاك، والوصية للوالدين والأقربين، وبيان مستحقي النفقات، ومعاملة اليتامى ومخالطتهم في المعيشة، وتنظيم شؤون الأسرة في الزواج والطلاق والرضاع والعدة، والإيلاء من النساء، وعدم المؤاخذة بيمين اللغو، وتحريم السحر، والقتل بغير حق وإيجاب القصاص في القتلى، وتحريم أكل أموال الناس بالباطل، وتحريم الخمر والميسر والربا، وإتيان النساء في المحيض وفي غير مكان الحرث وإنجاب النسل، أي في الدبر.
وتضمنت السورة آية عظيمة في العقيدة والأسرار الإلهية، وهي آية الكرسي، وحذرت من يوم القيامة الرهيب في آخر ما نزل من القرآن، وهي آية وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة ٢/ ٢٨١].
وتضمنت هذه السورة أطول آية في القرآن هي آية الدّين، التي أبانت أحكام الدّين من كتابة وإشهاد وشهادة وحكم النساء والرجال فيها، والرهان، ووجوب أداء الأمانة، وتحريم كتمان الشهادة.
وختمت السورة بالتذكير بالتوبة والإنابة إلى اللّه، وبالدعاء العظيم المشتمل على طلب اليسر والسماحة، ورفع الحرج والأغلال والآصار، وطلب النصرة على الكفار.
فالسورة كلها منهاج قويم للمؤمنين، ببيان أوصافهم، وأوصاف معارضيهم ومعاديهم من الكفار والمنافقين، وتوضيح مناهج التشريع في الحياة الخاصة والعامة، واللجوء في الخاتمة إلى اللّه والدعاء المستمر له في التثبيت على الإيمان، والإمداد بالإحسان والفضل الإلهي، وتحقيق النصر على أعداء اللّه والإنسانية.
ومن توجيهات السورة أن مناط السعادة في الدنيا والآخرة هو اتباع الدين، وأصول الدين ثلاثة : هي الإيمان باللّه ورسوله، والإيمان باليوم الآخر، والعمل الصالح. والولاية العامة يجب أن تكون لأهل الإيمان والاستقامة، لكن الإكراه على الدين ممنوع.
سبب التسمية :
سميت هذه السورة «سورة البقرة» لاشتمالها على قصة البقرة، التي أمر اللّه بني إسرائيل بذبحها، لاكتشاف قاتل إنسان، بأن يضربوا الميت بجزء منها، فيحيا بإذن اللّه، ويخبرهم عن القاتل، والقصة تبدأ بالآية [ (٦٧) من سورة البقرة] وهي قصة مثيرة فعلا، يعجب منها السامع، ويحرص على طلبها.
فضلها :
فضل هذه السورة عظيم، وثوابها جسيم، ويقال لها :«فسطاط القرآن» لعظمها وبهائها، وكثرة أحكامها ومواعظها،