ذُكِرَ لِي - سَبْعَةُ نَفَرٍ مِنْ جِنّ أَهْلِ نَصِيبِينَ فَاسْتَمَعُوا لَهُ فَلَمّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ وَلّوْا. إلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قَدْ آمَنُوا وَأَجَابُوا إلَى مَا سَمِعُوا. فَقَصّ اللّهُ خَبَرَهُمْ عَلَيْهِ - ﷺ - قَالَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ ﴿ وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ ﴾ إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى :﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيّ أَنّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنّ ﴾ إلَى آخِرِ الْقِصّةِ مِنْ خَبَرِهِمْ فِي هَذِهِ السّورَةِ.
وقد علق ابن كثير في تفسيره على رواية ابن إسحاق هذه فقال :«هذا صحيح. ولكن قوله : إن الجن كان استماعهم تلك الليلة فيه نظر. فإن الجن كان استماعهم في ابتداء الإيحاء كما دل عليه حديث ابن عباس - رضي اللّه عنهما - المذكور. وخروجه - ﷺ - إلى الطائف كان بعد موت عمه. وذلك قبل الهجرة بسنة أو سنتين كما قرره ابن إسحاق وغيره. واللّه أعلم».
وإذا صحت رواية ابن إسحاق عن أن الحادث وقع عقب عودة الرسول - ﷺ - من الطائف، مكسور الخاطر من التصرف اللئيم العنيد الذي واجهه به كبراء ثقيف، وبعد ذلك الدعاء الكسير الودود لربه ومولاه، فإنه ليكون عجيبا حقا من هذا الجانب. أن يصرف اللّه إليه ذلك النفر من الجن، وأن يبلغه ما فعلوا وما قالوا لقومهم، وفيه من الدلالات اللطيفة الموحية ما فيه..
وأيا كان زمان هذا الحادث وملابساته فهو أمر ولا شك عظيم. عظيم في دلالاته وفيما انطوى عليه. وفيما أعقبه من مقالة الجن عن هذا القرآن وعن هذا الدين.. (١)
ما تضمنته هذه السورة
اشتملت هذه السورة على مقصدين :
(١) حكاية أقوال صدرت من الجن حين سمعوا القرآن كوصفهم له بأنه كتاب يهدى إلى الرشد، وأن الرب سبحانه تنزه عن الصاحبة والولد، وأنهم ما كانوا يظنون أن أحدا يكذب على اللّه، وأن رجالا من الإنس كانوا يستعيذون فى القفر برجال من الجن، وأن الجن طلبوا خبر العالم العلوي فمنعوا، وأن الجن لا يدرون ما ذا يحل بالأرض من هذا المنع، وأن الجن منهم الأبرار ومنهم الفجار، ومنهم مسلمون وجائرون عادلون عن الحق.
(٢) ما أمر النبي - ﷺ - بتبليغه إلى الخلق، ككونه لا يشرك بربه أحدا، وأنه لا يملك لنفسه ضرّا ولا نفعا، وأنه لا يمنعه أحد من اللّه إن عصاه، وأنه - ﷺ - لا يدرى متى يكون وقت تعذيبهم، فالعلم للّه وحده. (٢)
===============
(٢) - تفسير الشيخ المراغى ـ موافقا للمطبوع - (٢٩ / ١٠٨)