ثم أخبرت عن ثقل الوحي وتبعة رسالته العظمى التي كلّف بها، وأمره بذكر ربه ليلا ونهارا، وإعلان توحيده، واتخاذه وكيلا في كل أموره : إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا [الآيات ٥ - ٩].
وأردفت ذلك بالأمر بالصبر على أذى المشركين، من القول فيه بأنه ساحر أو شاعر، أو في ربه بأن له صاحبة وولدا، وبالهجر الجميل إلى أن ينتصر عليهم وبتهديدهم بسوء العاقبة : وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ.. [الآيات ١٠ - ١٩].
وختمت السورة بإعلان تخفيف القيام لصلاة الليل عن الرسول - ﷺ - إلى مقدار الثلث وجعله الحد الأدنى رحمة به وبأمته ليتمكن هو وأصحابه من الراحة والتفرغ في النهار لشؤون الدعوة والتبليغ، والاكتفاء بتلاوة ما تيسر من القرآن، وأداء الصلاة المفروضة، وإيتاء الزكاة، ومداومة الاستغفار : إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ.. [الآية ٢٠]. (١)
وهي مكية كلها، ويرى بعضهم أنه يستثنى من ذلك آخرها، وعدد آياتها عشرون آية، وتشمل : إرشادات النبي - ﷺ - لتقوية جسمه وروحه حتى يقوى على تحمل الرسالة، ثم أمره بالصبر وترك المشركين مع تهديدهم بأنواع التهديدات. (٢)
مكية كلها في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر وقال ابن عباس وقتادة كما ذكر الماوردي الآيتين منها وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ [المزمل : ١٠] والتي تليها وحكي في البحر عن الجمهور أنها مكية إلا قوله تعالى : إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ [المزمل : ٢٠] إلى آخرها وتعقبه الجلال السيوطي بعد أن نقل الاستثناء عن حكاية ابن الفرس بقوله ويرده ما أخرجه الحاكم عن عائشة أن ذلك نزل بعد نزول صدر السورة بسنة وذلك حين فرض قيام الليل في أول الإسلام قبل فرض الصلوات الخمس وسيأتي إن شاء اللّه تعالى ما يتعلق بذلك وآيها ثماني عشرة آية في المدني الأخير وتسع عشرة في البصري وعشرون فيما عداهما ولما ختم سبحانه سورة الجن بذكر الرسل عليهم الصلاة والسلام افتتح عزّ وجلّ هذه بما يتعلق بخاتمهم عليه وعليهم الصلاة والسلام وهو وجه في المناسبة وفي تناسق الدرر لا يخفى اتصال أولها قُمِ اللَّيْلَ [المزمل : ٢] إلخ بقوله تعالى في آخر تلك وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ [الجن : ١٩] وبقوله سبحانه وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ [الجن : ١٨] الآية. (٣)

(١) - التفسير المنير ـ موافقا للمطبوع - (٢٩ / ١٨٧) و تفسير الشيخ المراغى ـ موافقا للمطبوع - (٢٩ / ١٠٩)
(٢) - التفسير الواضح ـ موافقا للمطبوع - (٣ / ٧٦٦)
(٣) - روح المعانى ـ نسخة محققة - (١٥ / ١١٢)


الصفحة التالية