وعلى أية حال فسورة المدثر تعتبر من أوائل ما نزل على النبي - ﷺ - من قرآن، كما يرى ذلك من تدبر آياتها التي تحض الرسول - ﷺ - على إنذار الناس بدعوته. وعدد آياتها : ست وخمسون آية في المصحف الكوفي، وخمس وخمسون في البصري.
٢ - ومن أهم مقاصدها : تكريم النبي - ﷺ -، وأمره بتبليغ ما أوحاه اللّه - تعالى - إليه إلى الناس، وتسليته عما أصابه من أذى، وتهديد أعدائه بأشد ألوان العقاب، وبيان حسن عاقبة المؤمنين، وسوء عاقبة المكذبين، والرد عليهم بما يبطل دعاواهم.. (١)
في هذه السورة أول أمر صريح للنبي - ﷺ - بالقيام بمهمة الدعوة والإنذار، ورسم الخطة التي يجب عليه اتباعها في ذلك. وفيها إنذار للكفار بيوم القيامة وتنديد بمن وقف من النبي - ﷺ - والقرآن موقف الهزء والإنكار والإعراض والتحدي. وتقرير لمسؤولية الإنسان عن عمله. وذكر للملائكة وأهل الكتاب لأول مرة أيضا. ومن المحتمل أن تكون آياتها الأولى نزلت لحدتها، وأن يكون ترتيب السورة بسبب نزول هذه الآيات مبكرة لأن الآيات الأخرى احتوت مشاهد ومواقف لا يمكن أن تقع إلّا بعد مضي النبي - ﷺ - في دعوته شوطا ما. على أن أسلوب آيات السورة وانسجامها يسوغ القول أيضا أنها نزلت دفعة واحدة أو متلاحقة. وأن الآيات الأولى بسبيل التثبيت. وحينئذ يكون ترتيبها كرابع سورة غير صحيح. (٢)
سورة المدثر مكيّة، وهي ست وخمسون آية.
تسميتها : سميت سورة المدّثر لافتتاحها بهذا الوصف الذي وصف به النبي - ﷺ -، وأصل المدثر المتدثر : وهو الذي يتدثر بثيابه لينام أو ليستدفئ. والدثار : اسم لما يتدثر به.
مناسبتها لما قبلها :
صلة السورة بما قبلها من وجوه ثلاثة هي :
١ - تتفق السورتان في الافتتاح بنداء النبي - ﷺ -.
٢ - صدر كلتيهما نازل في قصة واحدة. وقد نزلت المدثر عقب المزمّل.
٣ - بدئت السورة السابقة بالأمر بقيام الليل (التهجد) وهو إعداد لنفسه ليكون داعية، وبدئت هذه السورة بالأمر بإنذار غيره، وهو إفادة لسواه في دعوته.
ما اشتملت عليه السورة :

(١) - التفسير الوسيط للقرآن الكريم-موافق للمطبوع - (١٥ / ١٧١)
(٢) - التفسير الحديث لدروزة- موافق للمطبوع - (١ / ٤٤٠)


الصفحة التالية
Icon