وأخرج ابن الضريس عن ابن عباس وجعلوا ذلك من أسباب وضعها بعدها والظاهر ضعف هذا القول فقد أخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وجماعة عن يحيى بن أبي كثير قال : سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أول ما نزل من القرآن فقال : يا أيها المدثر، قلت : يقولون اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق : ١] فقال أبو سلمة : سألت جابر بن عبد اللّه عن ذلك وقلت له مثل ما قلت فقال جابر : لا أحدثك إلّا ما حدثنا رسول اللّه - ﷺ - قال :«جاورت بحراء فلما قضيت جواري هبطت فنوديت فنظرت عن يميني فلم أر شيئا ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا ونظرت خلفي فلم أر شيئا فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فجئثت منه رعبا فرجعت فقلت دثروني فدثروني فنزلت يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ [المدثر : ١ - ٣] وفي رواية «فجئت أهلي فقلت : زملوني زملوني زملوني فأنزل اللّه تعالى يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ - إلى قوله - فَاهْجُرْ، فإن القصة واحدة ولو كانت يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ هي النازلة قبل فيها لذكرت نعم ظاهر هذا الخبر يقتضي أن يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ نزل قبل اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ والمروي في الصحيحين وغيرهما عن عائشة أن ذاك أول ما نزل من قرآن وهو الذي ذهب إليه أكثر الأمة حتى قال بعضهم هو الصحيح، ولصحة الخبرين احتاجوا للجواب فنقل في الإتقان خمسة أجوبة الأول أن السؤال في حديث جابر كان عن نزول سورة كاملة فبين أن سورة المدثر نزلت بكمالها قبل تمام سورة اقْرَأْ فإن أول ما نزل منها صدرها الثاني أن مراد جابر بالأولية أولية مخصوصة بما بعد فترة الوحي لا أولية مطلقة الثالث أن المراد أولية مخصوصة بالأمر بالإنذار، وعبر بعضهم عن هذا بقوله أول ما نزل للنبوة اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ وأول ما نزل للرسالة يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ الرابع أن المراد أول ما نزل بسبب متقدم وهو ما وقع من التدثر الناشئ عن الرعب وأما اقرأ فنزلت ابتداء بغير سبب متقدم الخامس أن جابر استخرج ذلك باجتهاده وليس هو من روايته فيقدم عليه ما روت عائشة رضي اللّه تعالى عنها ثم قال : وأحسن هذه الأجوبة الأول والأخير انتهى وفيه نظر فتأمل ولا تغفل. (١)
* سورة المدثر مكية، شأنها كسابقتها - سورة المزمل - تتحدث عن بعض جوانب شخصية الرسول الأعظم ( - ﷺ - )، ولهذا سميت سورة المدثر.
* ابتدأت السورة الكريمة بتكليف الرسول بالنهوض بأعباء الدعوة، والقيام بمهمة التبليغ بجد ونشاط، وإنذار الكفار، والصبر إلى أذى الفجار، حتى يحكم الله بينه وبين أعدائه [ يا أيها المدثر، قم فأنذر، وربك فكبر، وثيابك فطهر، والرجز فاهجر، ولا تمنن تستكثر، ولربك فاصبر ].