ينطبق على هذه السورة من ناحية سبب نزولها، ووقت نزولها ما سبق ذكره عن سورة «المزمل». فهناك روايات بأنها هي أول ما نزل بعد سورة العلق، ورواية أخرى بأنها نزلت بعد الجهر بالدعوة وإيذاء المشركين للنبي - ﷺ -.
روى البخاري عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ سَأَلْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَوَّلِ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ. قَالَ ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) قُلْتُ يَقُولُونَ ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ ) فَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضى الله عنهما عَنْ ذَلِكَ وَقُلْتُ لَهُ مِثْلَ الَّذِى قُلْتَ فَقَالَ جَابِرٌ لاَ أُحَدِّثُكَ إِلاَّ مَا حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - قَالَ « جَاوَرْتُ بِحِرَاءٍ، فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِى هَبَطْتُ فَنُودِيتُ فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِى فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَنَظَرْتُ عَنْ شِمَالِى فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَنَظَرْتُ أَمَامِى فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَنَظَرْتُ خَلْفِى فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، فَرَفَعْتُ رَأْسِى فَرَأَيْتُ شَيْئًا، فَأَتَيْتُ خَدِيجَةَ فَقُلْتُ دَثِّرُونِى وَصُبُّوا عَلَىَّ مَاءً بَارِدًا - قَالَ - فَدَثَّرُونِى وَصَبُّوا عَلَىَّ مَاءً بَارِدًا قَالَ فَنَزَلَتْ ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ) » (١)..
وعَنْ عُقَيْلٍ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ قَالَ أَخْبَرَنِى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - ﷺ - يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْىِ « فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِى سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ فَرَفَعْتُ بَصَرِى قِبَلَ السَّمَاءِ، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِى جَاءَنِى بِحِرَاءٍ قَاعِدٌ عَلَى كُرْسِىٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَجَئِثْتُ مِنْهُ حَتَّى هَوَيْتُ إِلَى الأَرْضِ، فَجِئْتُ أَهْلِى فَقُلْتُ زَمِّلُونِى زَمِّلُونِى. فَزَمَّلُونِى فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) إِلَى قَوْلِهِ ( فَاهْجُرْ ) » - قَالَ أَبُو سَلَمَةَ وَالرِّجْزَ الأَوْثَانَ - « ثُمَّ حَمِىَ الْوَحْىُ وَتَتَابَعَ ». (٢)
وعلق ابن كثير في التفسير على هذا الحديث بقوله :«وهذا السياق هو المحفوظ، وهو يقتضي أنه قد نزل الوحي قبل هذا لقوله :«فإذا الملك الذي جاءني بحراء» وهو جبريل، حين أتاه بقوله... «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ»..
ثم إنه حصل بعد هذا فترة، ثم نزل الملك بعد هذا. ووجه الجمع أن أول شيء نزل بعد فترة الوحي هذه السورة»..
فهذه رواية. وهناك رواية أخرى.. رواها الطبراني عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ، يَقُولُ : سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، إِنَّ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ صَنَعَ لِقُرَيْشٍ طَعَامًا فَلَمَّا أَكَلُوا قَالَ : مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا الرَّجُلِ ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : سَاحِرٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَيْسَ بساحرٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : كَاهِنٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ :

(١) - صحيح البخارى (٤٩٢٢ )
(٢) - صحيح البخارى (٤٩٢٦ )


الصفحة التالية
Icon