ثم أشادت بأعمال الشاكرين من الوفاء بالنذر، وإطعام الطعام لوجه اللّه، والخوف من عذاب اللّه : إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ.. [الآيات : ٧ - ١١].
وأردفت ذلك بوصف ما لهم عند ربهم من الجنان والثواب والفضل والإكرام : وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً [الآيات : ١٢ - ٢٢].
ثم أبانت مصدر تنزيل القرآن، وأمر النبي - ﷺ - بالصبر الجميل، وذكر اللّه، وقيام الليل : إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا.. [الآيات : ٢٣ - ٢٦].
ونوّهت بشيء تضمنته السورة السابقة وهو حب الدنيا العاجلة وترك الآخرة، وتهديدهم بتبديل أمثالهم إن داموا على الكفر والعناد وإمعان الأذى : إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ.. [الآيات : ٢٧ - ٢٨].
وختمت السورة الكريمة بإعلان أن القرآن تذكرة وعظة لجميع البشر وندبهم إلى الإيمان والعمل بما جاء فيه : إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ.. [الآيات : ٢٩ - ٣١]. (١)
وهي مكية، وحكى بعضهم الإجماع على أنها مدنية، وعدد آياتها إحدى وثلاثون وتشمل الكلام على البعث، وعلى خلق الإنسان وهدايته للخير والشر، ثم بيان عاقبة كل، مع ذكر أعمال الأبرار وجزائهم. (٢)
وتسمى سورة الدهر والأبرار والأمشاج وهل أتى وهي مكية عند الجمهور على ما في البحر وقال مجاهد وقتادة مدنية كلها وقال الحسن وعكرمة والكلبي مدنية إلا آية واحدة فمكية وهي ولا تطع منهم آثما أو كفورا وقيل مدنية إلّا من قوله تعالى فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ [الإنسان : ٢٤] إلى آخرها فإنه مكي وعن ابن عادل حكاية مدنيتها على الإطلاق عن الجمهور وعليه الشيعة وآيها إحدى وثلاثون آية بلا خلاف والمناسبة بينها وبين ما قبلها في غاية الوضوح. (٣)
* سورة الدهر من السور المدنية، وهي تعالج أمورا تتعلق بالآخرة، وبوجه خاص تتحدث عن نعيم المتقين الأبرار، في دار الخلد والإقامة في جنات النعيم، ويكاد يكون جو السورة هو جو السور المكية لايحاءاتها وأسلوبها ومواضيعها المتنوعة.
* ابتدأت السورة الكريمة ببيان قدرة الله في خلق الإنسان في أطوار، وتهيئته ليقوم بما كلف به من أنواع العبادة، حيث جعل الله تعالى له السمع والبصر وسائر الحواس [ هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا ] الآيات.
(٢) - التفسير الواضح ـ موافقا للمطبوع - (٣ / ٧٩٢)
(٣) - روح المعانى ـ نسخة محققة - (١٥ / ١٦٦)