* وختمت السورة الكريمة ببيان سبب امتناع الكفار، عن عبادة الله الواحد القهار، وهو الطغيان والإجرام [ ويل يومئذ للمكذبين، كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون، ويل يومئذ! للمكذبين، وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون، ويل يومئذ للمكذبين، فبأي حديث بعده يؤمنون ] وإنه لوعيد وتهديد شديد، ترتجف له القلوب، وتفزع منه الألباب ! (١)
مقصودها الدلالة على آخر الإنسان من إثابة الشاكرين بالنعيم، وإصابة الكافرين بعذاب الجحيم، في يوم الفصل بعد جمع الأجساد وإحياء العباد بعد طي هذا الوجود وتغيير العالم المعهود بما له سبحانه من القدرة على إنبات النبات وإنشاء الأقوات وإنزال العلوم وإيساع الفهوم لأحياء الأرواح وإسعاد الأشباح بأسباب خفية وعلل مرئية وغير مرئية، وتطوير الإنسان في أطوار الأسنان، وإيداع الإيمان فيما يرضى من الأبدان، وإيجاد الكفران في أهل الخيبة والخسران، مع اشتراك الكل في أساليب هذا القرآن، الذي عجز الإنس والجان، عن الإتيان بمثل آية منه على كثرتهم وتطاول الزمان، واسمها المرسلات وكذا العرف واضح الدلالة على ذلك لمن تدبر الأقسام، وتذكر ما دلت عليه من معاني الكلام (٢)
هذه السورة حادة الملامح، عنيفة المشاهد، شديدة الإيقاع، كأنها سياط لاذعة من نار. وهي تقف القلب وقفة المحاكمة الرهيبة، حيث يواجه بسيل من الاستفهامات والاستنكارات والتهديدات، تنفذ إليه كالسهام المسنونة!
وتعرض السورة من مشاهد الدنيا والآخرة، وحقائق الكون والنفس، ومناظر الهول والعذاب ما تعرض.
وعقب كل معرض ومشهد تلفح القلب المذنب لفحة كأنها من نار :«وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ»! ويتكرر هذا التعقيب عشر مرات في السورة. وهو لازمة الإيقاع فيها. وهو أنسب تعقيب لملامحها الحادة، ومشاهدها العنيفة، وإيقاعها الشديد. وهذه اللازمة تذكرنا باللازمة المكررة في سورة «الرحمن» عقب عرض كل نعمة من نعم اللّه على العباد :«فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ؟».. كما تذكرنا باللازمة المكررة في سورة «القمر» عقب كل حلقة من حلقات العذاب :«فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ؟».. وتكرارها هنا على هذا النحو يعطي السورة سمة خاصة، وطعما مميزا.. حادا..
وتتوالى مقاطع السورة وفواصلها قصيرة سريعة عنيفة، متعددة القوافي. كل مقطع بقافية. ويعود السياق أحيانا إلى بعض القوافي مرة بعد مرة. ويتلقى الحس هذه المقاطع والفواصل والقوافي بلذعها الخاص،

(١) - صفوة التفاسير ـ للصابونى - (٣ / ٤٤٤)
(٢) - نظم الدرر ـ موافق للمطبوع - (٨ / ٢٨١)


الصفحة التالية
Icon