والجولة السادسة والسابعة استطراد مع موقف المكذبين، ومزيد من التأنيب والترذيل :«هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ، وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ. وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ! هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ. فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ. وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ!»..
والجولة الثامنة مع المتقين، وما أعد لهم من نعيم :«إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ، وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ. كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ!»..
والجولة التاسعة خطفة سريعة مع المكذبين في موقف التأنيب :«كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ. وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ!»..
والجولة العاشرة خطفة سريعة مع المكذبين في موقف التكذيب :«وَإِذا قِيلَ لَهُمُ : ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ. وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ!».
والخاتمة بعد هذه الجولات والاستعراضات والوخزات والإيقاعات :«فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ؟»..
وهكذا يمضي القلب مع سياق السورة السريع، وكأنه يلهث مع إيقاعها وصورها ومشاهدها. فأما الحقائق الموضوعية في السورة فقد تكرر ورودها في سور القرآن - والمكية منها بوجه خاص - ولكن الحقائق القرآنية تعرض من جوانب متعددة، وفي أضواء متعددة، وبطعوم ومذاقات متعددة، وفق الحالات النفسية التي تواجهها، ووفق مداخل القلوب وأحوال النفوس التي يعلمها منزل هذا القرآن على رسوله، فتبدو في كل حالة جديدة، لأنها تستجيش في النفس استجابات جديدة.
وفي هذه السورة جدة في مشاهد جهنم. وجدة في مواجهة المكذبين بهذه المشاهد. كما أن هناك جدة في أسلوب العرض والخطاب كله. ومن ثم تبرز شخصية خاصة للسورة. حادة الملامح. لاذعة المذاق. لاهثة الإيقاع! (١)
ما اشتملت عليه السورة الكريمة من المقاصد
حوت هذه السورة المقاصد الآتية :
(١) الإخبار بأن يوم الفصل آت لا شك فيه، وقد أكد ذلك بالقسم بملائكته الكرام.
(٢) وعيد الكافرين بأنه سيستن بهم سنة الأولين من المكذبين.
(٣) توبيخ المكذبين على نكران نعم اللّه عليهم فى الأنفس والآفاق.
(٤) وصف عذاب الكافرين بما تشيب من هوله الولدان.