وصفة يوم الحشر إنذارا للذين جحدوا به والإيماء إلى أنهم يعاقبون بعذاب قريب قبل عذاب يوم البعث.
وأدمج في ذلك أن علم الله تعالى محيط بكل شيء ومن جملة الأشياء أعمال الناس.. (١)
مناسبتها لما قبلها
كانت سورة « المرسلات » قبل هذه السورة ـ حديثا متصلا عن المشركين، وكانت نهاية هذا الحديث معهم أن القى بهم فى جهنم، وأخذ كل منهم مكانه فيها.. ثم أعيدوا إلى مكانهم من هذه الحياة الدنيا، حيث يأكلون ويتمتعون، كما تأكل الأنعام، دون أن يكون لهم من تلك الرحلة المشئومة بهم إلى جهنم، وما رأوا من أهوالها ـ ما يغير شيئا مما فى أنفسهم من ضلال وعناد، فما زالوا على موقفهم من آيات اللّه التي تتلى عليهم، وما زالوا فى تكذيب لرسول اللّه، وفى عجب واستنكار، حتى ليتساءل الوجود كله : إذن فبأى حديث بعد هذا الحديث يؤمن هؤلاء الضالون المكذبون ؟
وتجىء سورة « النبأ » بعد هذا التساؤل الاستنكارى لنمسك بهم وهم فى حديث عن هذا الحديث، وفى بلبلة واضطراب من أمره، وفى تنازع واختلاف فيه، لا يجدون ـ حتى فى أودية الزور والبهتان ـ الكلمة التي يقولونها فيه، والتهمة التي يلصقونها به.. إن أية قولة زور يزينها لهم الشيطان ليلقوا بها فى وجه القرآن، لتسقط على رءوسهم، كما يسقط الحصى برمى به فى وجه الشمس، ليخفى ضوءها، أو يعطل مسيرتها.. (٢)
وفي التفسير الوسيط :
١ - سورة « النبأ » هي أول سورة في الجزء الأخير من القرآن الكريم، وتسمى - أيضا - بسورة « عم يتساءلون » وبسورة « عم »، وبسورة « المعصرات »، وبسورة « التساؤل »، فهذه خمسة أسماء لهذه السورة، سميت بها لورود هذه الألفاظ فيها.
٢ - وهي من السور المكية الخالصة، وعدد آياتها أربعون آية في المصحف الكوفي والمكي، وإحدى وأربعون في غيرهما. وكان نزولها بعد سورة « المعارج »، وقبل سورة « النازعات ».
٣ - وهذه السورة من أهم مقاصدها : توبيخ المشركين على خوضهم في القرآن الكريم بدون علم، وتهديدهم بسوء المصير إذا ما استمروا في طغيانهم، وإقامة الأدلة المتنوعة على وحدانية اللّه - تعالى - وعلى مظاهر قدرته، وبيان ما أعده - سبحانه - للكافرين من عقاب، وما أعده للمتقين من ثواب،

(١) - التحرير والتنوير ـ الطبعة التونسية - (٣٠ / ٥)
(٢) - التفسير القرآني للقرآن ـ موافقا للمطبوع - (١٥ / ١٤١١)


الصفحة التالية
Icon